عندما قرأ وزير الداخلية نهاد المشنوق ما كتب له على ورقة من كلام تصعيدي باتجاه حزب الله، مهددا بترك الحوار و«فرط» الحكومة، لم تسع قيادة حزب الله الى فتح قنوات اتصال خلفية لمعرفة خلفيات هذا الكلام، ولم يكن على اجندتها الاستفسار عبر «القنوات المعتادة» عن الدوافع التي املت على ممثل الرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن اطلاق التهديد والوعيد، «لعبة» توزيع الادوار باتت مملة، ثمة كلام خرج الى العلن من وزير يقدم نفسه ممثلا امينا لمدرسة «المستقبل»، ولديه علاقات مميزة مع تيار وازن في السعودية، يدعي انه لا طموحات شخصية لديه ليوظفها في المماحكات داخل تياره السياسي. لذلك كان القرار بتحميله مع فريقه وزر هذا الخطاب ووضع «النقاط» على «الحروف»، فجاء رد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على «تحية» تيار المستقبل باحسن منها، وضع «التيار الازرق» امام امتحان المصداقية، واختبار القدرة، والجدارة في تحمل مسؤولية تحويل الاقوال الى افعال، فاذا كنتم صادقين «اخرجوا من الحوار» واخرجوا من الحكومة»، لكن سوف تتحملون وزر واعباء تلك المرحلة. ويبقى السؤال لماذا اختار حزب الله وامينه العام ان لا يكونوا «ملوكا» اكثر من «الملك»؟
ببساطة شديدة، لان «المستقبل» ورط نفسه في شعارات اكبر من حجمه، وثمة فرصة امام الحزب لدفعه نحو «الحائط»، وبحسب اوساط قيادية بارزة في 8 آذار، رمى السيد نصرالله «كرة النار» في حضن المستقبل، ووضعه امام اختبار جدي لنياته الحقيقية، كلام المشنوق اتبع بسلسلة تسريبات وتصريحات من قيادات مجهولة ومعلومة في «المستقبل» تبنت كلامه، واعتبرت ان ما قاله ليس اجتهادا شخصيا يهدف الى تحقيق مصالح داخلية والى شد عصب الجمهور المستقبلي، واصرت على القول ان المشنوق تحدث باسم الرئيس سعد الحريري وكل قوى 14 آذار التي كانت على علم وتنسيق مسبقين حيال ما قاله. حسنا ثمة سقف سياسي عال وضعه الفريق الآذاري للتعامل مع معطيات المرحلة المقبلة، كلام السيد نصرالله جعلهم بحل من اي حرج للانسحاب من الحكومة والحوار، وهو كمن يقول لهم ماذا تنظرون؟ «القبضاي» ينفذ كلامه «والرجال» عند «كلمتهم». لكن يبقى السؤال هل بمقدور هذا الفريق ترجمة هذا التصعيد الكلامي الى افعال؟ وكيف؟ وهل لديه القدرة على الفعل بحجة خرق الحلقة المفرغة التي تدور فيها البلاد منذ شغور موقع الرئاسة الاولى؟.
في رأي تلك الاوساط، الكلام «المتهور» للمشنوق سيورط فريقه السياسي وجمهوره في احباط جديد لا يقل عما سبقه من سقطات سابقة سببت اضراراً كبيرة لم يتم اصلاحها الى يومنا هذا. فالتهديد بالاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار كمن «يطلق الرصاص على رجله»، وهو يظن انه سجل في «مرمى» الفريق الآخر، بينما هو يسجل في «مرماه» هدفاً «بنيران صديقة»، فاذا كان لا مصلحة لحزب الله بالتفريط بالحكومة في الظروف الراهنة، واذا كان التيار الوطني الحر يتعامل «بعقلانية» كبيرة وواقعية في ظل عدم وجود بديل لها، فان ذلك ليس حبا واعجابا بهذا «الجسم المريض» غير المنتج، وانما لكي لا تذهب البلاد الى المجهول، الجميع يدرك ذلك فما الذي تغير؟ السيد نصرالله لم ينتظر البحث عن اجابات قال كلاما واضحا لافهام الفريق الاخر، بان تهديدات المشنوق لعب على «حافة الهاوية»، هي ليست «خلطا للاوراق» لابتزاز الفريق الاخر، بل دعوة الى «الانتحار»، واذا قرر تيار المستقبل وفريق 14آذار ذلك، لن يجدوا من يردعهم، فليفعلوها ويتحملوا النتائج، امام جمهورهم وامام اللبنانيين، وعندئذ عليهم ان يقدموا الاجابات الملحة عن الاسئلة الصعبة.
وبحسب تلك الاوساط، لا يغيب المعطى الاقليمي او «الرسائل» الاقليمية عن رد السيد نصرالله، «فالمستقبل» يلعب «بالنار» اذا كان يظن انه بامكانه الضغط على حزب الله عبر التلويح بالفوضى الداخلية، فاذا كان ثمة اجندة سعودية للرد في بيروت على خيبة الامل في سوريا، فان «التيار الازرق» يغامر بوظيفة اكبر من مقاسه بكثير، وعليه ان «يحسبها جيدا» هذه المرة، فالصراع يتجاوز هذه المرة حدود «اللعبة الداخلية»، وحزب الله يخوض معركة حاسمة وفاصلة لا تقبل انصاف الحلول، تحييد الساحة اللبنانية مصلحة للجميع، وليس مصلحة للحزب فقط، نجح في تحييدها بالتعاون مع المؤسسة العسكرية، تم ضرب الكثير من بؤر الارهاب، تزامنا نجح في ضرب البؤر التكفيرية على الحدود الشرقية واخرج تيار المستقبل من المعادلة السورية، ورغم ذلك ابدى تعاونا كبيرا في تحييد الساحة الداخلية، واذا كانت الرياض غاضبة من حزب الله ومن الامين العام السيد حسن نصرالله، فليس فريق 14 آذار مخولا تنفيس هذا الغضب، وليس بمقدور تيار المستقبل تحمل وزر ذلك، واذا كانوا يظنون العكس فما عليهم الا ان يجربوا، لكن التجربة اليوم لن تكون دون اثمان.
اما اعتبار اوساط تيار المستقبل ان كلام المشنوق يتماهى مع التسريبات التي تتحدث عن قرب عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، وهي كتعبيد للطريق أمام عودته لتشكيل السلطة بحيث تأتي استقالة الحكومة مقدمة طبيعية للدخول في مرحلة انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة، فترى فيه تلك الاوساط، كلاما «صبيانيا» لا يعدو كونه «مراهقة» سياسية غير قابلة للصرف، فزعيم «المستقبل» قادر على العودة ساعة يشاء ولا توجد اي موانع سياسية او امنية، لكن السؤال الى اين؟ هو غائب بدوافع شخصية يدركها الجميع، وقد تكون عودته اذا ما حصلت مرتبطة بابتزاز سعودي مالي لجره نحو التشدد في مواجهة حزب الله مقابل اخراجه من ازمته المالية «والتفليسة» التي باتت على قاب قوسين او ادنى، هذا الامر متاح، يمكنه العودة الى قريطم والى حيث ما يشاء، لكن ليس الى القصر الحكومي، هو يدرك ذلك، والسعودية تعرف اكثر من غيرها انها غير قادرة على اعادته الى المعادلة السياسية اللبنانية دون رضى الفريق الاخر وفي مقدمه حزب الله، هذا الامر لا يمكن فرضه لا بالابتزاز السياسي ولا بالقوة، بل يحتاج الى حوار واتفاق على «سلة» متكاملة تشمل كل شيء.
وامام هذه الوقائع، الساعات المقبلة ستكون حاسمة لمعرفة النيات الحقيقية لتيار المستقبل، «الكرة» عادت الى ملعبهم، السيد نصرالله تحدث دون «قفازات» ووضعهم امام خيارات احلاها مر، فان الاستمرار «بغش» الجمهور «الازرق» واللعب على عواطفه وادعاء «بطولات» خرافية غير موجودة، وهذا لن يغير من الوقائع شيئا او الاندفاع نحو تنفيذ التهديدات بدفع اقليمي مريب، وعندئذ ستكون النتائج سيئة جداً. واذا كانت السيناريوهات المفترضة غامضة، فان الامر الثابت غير القابل للنقاش هو ان «مفاتيح» السرايا الحكومية في «جيب» حزب الله، من يريد فتح « الابواب» عليه ان يتحاور معه للوصول الى تسويات شاملة، اما خيار الخروج من الحوار واسقاط الحكومة فيعني حكما ان الحريري سيبقى والى «اجل غير مسمى» رئيسا اسبق للحكومة.