هما مشروعان لا ثالث لهما. يتنازعان على مستوى الوطن. في السياسة، في الجامعات، في المدارس، في الإدارة، في العسكر، في الأمن، في الثقافة، في الإيمان، في العقيدة… الأول هو مشروع الحفاظ على هوية لبنان، والثاني «أيرَنَة» لبنان (نسبة إلى إيران). هكذا بكل بساطة، يمكن وصف أحداث الجامعة اليسوعية.
بزخمٍ، وعنفوان، وروح تنافسية عالية، تعود سنوياً الانتخابات الطالبية في الجامعة اليسوعية. الربح فيها بالنسبة الى طلاب «القوات اللبنانية» و»الكتائب» وكثيرون غيرهم، هو «واجب وأمانة لقائدهم الشهيد»، لذلك، يَستقتلون، يثابرون، لا تسهو عيونهم، حرّاس، لا ينعسون لحماية القلعة، وكيف لا، وهي «جامعة بشير».
«جامعة بشير الجميّل»، تسمية لا تعجب كثيرين، يقول عدد من الطلاب الذين التقَتهم «الجمهورية»، وخصوصاً من محور «حزب الله». وفي ظنّهم، يكفي أن يربحوا يوماً واحداً لاقتلاع صفة البشير عن الجامعة اليسوعية، لذلك، يقاتل «حزب الله» طوال سنوات فيها وكأنها جبهة يجب إسقاطها، وبأيّ ثمن.
هو «نزاع مؤدلَج» بأفكار وثيقة الـ85 والـ2009 ومسيرة الحزب وسلوكه منذ نشأته. هو «حزب عدواني»، يقول المفكّر السياسي أنطوان نجم لـ»الجمهورية». مضيفاً: «يحاول فرض مشيئته بالقوة على الآخرين. «حزب الله» يُظهر عكس ما يُضمِر. ظهوره بمظهر الايجابي في أيّ أمر يخبّئ سلبيّات. هو حزب لم يَنشأ لبنانياً، عقيدته ليست لبنانية، ولا علاقة له بلبنان وبثقافته وبتركيبته بأيّ شكل من الأشكال». ويتابع: «سلوكه في أيّ انتخابات طالبية، أكان في اليسوعية أو غيرها من الجامعات، بعيد عن احترام الحرية والديموقراطية، ومَردّه لأنّ عقيدته يجب أن تُفرض فرضاً، وهذه العقيدة، في ظل التوازنات الموجودة، ووجود جزء من الموارنة مؤيّد له، قد تمنحه القدرة لأن ينجح. هناك «خيانة» داخلية قد تساعد الحزب على تحقيق هدفه».
نجم يوجّه «تحية» الى طلاب «القوات» و»الكتائب»، قائلاً: «هم الأفضل، يواجهون فريقاً عدوانياً، وفريقاً ثالثاً كأنه «يعيش في الصين». المواجهة بين هؤلاء الأفرقاء الثلاثة، وطلابنا يتحمّلون وزر المواجهة لحماية لبنان وصيغته ووجهه الحضاري والثقافي».
«القوات»
ترى مصادر «القوات اللبنانية» أنّ «المواجهة التي اندلعت بين طلاب «القوات» و»حزب الله» هي أفضل تعبير عن تلك التي تخوضها «القوات» في الجامعة اليسوعية وخارج حرم الجامعة في مواجهة هذه المنظومة، أي منظومة السلاح والفساد». وأضافت: «هذه المنظومة أطَلّت برأسها من الجامعة اليسوعية في محاولةٍ لضرب الطلاب الذين يمارسون حقهم الديموقراطي، محاولة إجهاض العملية الانتخابية او حَرفها عن مسارها. هذه المجموعات التي اعتدَت على الثورة وكَسّرت الخيم واعتدت على الثوار تعتدي اليوم على الطلاب الطامحين الى تغيير الواقع السياسي في اتجاه واقع أفضل، أي إعادة إحياء لبنان التراثي والقديم».
وقالت المصادر لـ»الجمهورية: «المواجهة بين مشروعين، ومواجهة القوات الأساسية مع هذا المشروع الذي يطلّ برأسه مع كل استحقاق وكل مفصل من مفاصل الحياة الوطنية ليذكّر اللبنانيين بطريقة تعبيره وممارسته البلطجية، الخارجة عن أي أسلوب من أساليب الحياة الديموقراطية».
وأشارت إلى أنه «يخطئ من يضع المواجهة بين «القوات» والمستقلّين، هي مواجهة مع هذه المنظومة التي دَعت «القوات» إلى إسقاطها من خلال الاستقالة الجماعية من مجلس النواب ورفضها أي مشاركة على مستوى السلطة مع هذا الفريق. وبالتالي، هذه المجموعة التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه من مآس وكوارث مالية واقتصادية ومعيشية غَيّرت وبَدلت في نمط عيش اللبنانيين. هذه هي الرسالة الأساس للطلاب انّ هذه المنظومة يجب إسقاطها، في البلد، في السلطة، في الجامعات، وفي كل نواحي الحياة اللبنانية». واكدت انّ «القوات تخوض الانتخابات بهويتها السياسية وبشعاراتها وبثوابتها وبالتزامها وبنمطها، وهي تجرّأت وتتجرّأ على الظهور بعناوينها السياسية، ويُخطئ كل من يضلّ الطريق ويعتقد أنّ المواجهة في مكان آخر. وعلى الطلاب الاختيار بين مشروع البلطجية، المشروع الذي اعتدى على الثورة والثوار والذي اعتدى ويعتدي على الطلاب، والذي اعتدى ويعتدي على اللبنانيين، وبين المشروع الذي يريد تطبيق الحياد في لبنان وتثبيت السيادة وإعلاء منطق الدولة والقانون والدستور والشفافية. لذا، يخطئ من يظن أنّ الانتخابات في الجامعة اليسوعية منفصلة عن الاستحقاقات الوطنية، هي استكمال واستمرار للنزاع بين هذين المشروعين، و»القوات» على غرار خوضها هذه المواجهة مع السلطة في مواجهة مشروع السلاح والفساد، تخوض هذه المواجهة في الجامعة اليسوعية وفي كل استحقاق وطني. وبالتالي، يخطئ من يفرز اللبنانيين بين حزبي ومستقلّ، فالفرز يكون بين هذين المشروعين».
تفاصيل الاعتداء
ما جرى أمس هو استكمال لما حصل أمس الأول، عندما اعتدى عدد من مناصري «حزب الله» على شبّان من «القوات اللبنانية» كانوا موجودين خارج الجامعة يتابعون مجرى الانتخابات، فاضطرّ هؤلاء للرد دفاعاً عن النفس.
أمّا أمس، فتكرر الاعتداء بمقدار كبير ودموي، ويقول رئيس مصلحة الطلاب في «القوات» طوني بدر لـ»الجمهورية»: «نَبّهنا القوى الأمنية أمس الأول الى أنّ الاعتداء قد يتكرر، واتصلنا بهم صباح أمس ليتخذوا الاجراءات الضرورية، وهذا لم يحصل. ورغم ذلك، نزلنا كالعادة إلى امام الجامعة، لنتفاجأ بمناصرين للحزب يُقدّر عددهم بنحو 50 شخصاً، يحملون سكاكين وعصياً وأدوات حادة. ولدى وصولهم، بدأوا بالاعتداء على الأشخاص الستة الذين كانوا موجودين امام الجامعة، فوقع جريحان في صفوف «القواتيين» تمّ نقلهما إلى مستشفى «أوتيل ديو» ومستشفى جاورجيوس، ثم توجّها إلى مخفر الأشرفية لرفع دعوى بحق المُعتدين، خصوصاً انّ هؤلاء معروفون ويظهر عدد منهم في الفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. ودعا بدر القوى الأمنية إلى اتخاذ الاجراءات الأمنية الضرورية لحماية الطلاب والموجودين في اليوم الانتخابي الأخير».
ويقول بدر: «الانتخابات ستفرز نتائج على مستويين: الأول، المستقلون الذين يشكّلون بالنسبة الى كثيرين محاولة تغيير جدية للحالة التي يعيشها اللبنانيون. ومن جهة أخرى، محافظة «القوات» على المقاعد التي حصلت عليها العام الفائت، إنما هذه المرة تخوض الانتخابات منفردة من دون أي حليف. وهو تأكيد على انّ خيارات «القوات» تلقى آذاناً صاغية لدى الشباب اللبناني مقابل شبه اضمحلال لأحزاب السلطة. في مقابل اننا سنمدّ أيدينا للمستقلّين للتعاون بما فيه مصلحة الطلاب، لأنّ معركتنا لم تكن يوماً معهم بل مع نهج سياسي فاسد».
«شيعة، شيعة، شيعة. بهذا الشعار صَدحت حناجرهم على أبواب اليسوعية وفي قلب الأشرفية. هل هي حالة مأزومة يعيشها الحزب؟ هل هو شعور بالضعف نتيجة الأزمات التي تلاحقه؟ في كلتا الحالتين، لا مبرّر لأن يعيش أيّ فريق خيارات أيّ فريق آخر وخيباته، هذا ما يقوله عدد من طلاب اليسوعية. ويضيفون: «فيما اليوم يُطرح على مستوى الوطن قانون انتخابي «غير طائفي» و»عصري»، على «حزب الله» أن يتوقف عن استخدام شعارات طائفية، للصُدقيّة فقط».