IMLebanon

حادثة كفرذبيان: فريد هيكل الخازن “لبّيس”

يدفع ضغط مواقع التواصل الافتراضي وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية والقضائية إلى مواكبة الجمهور الافتراضي بتقارير صحافية يغلب عليها الطابع الخطابي ــ التحريضي وتوقيفات عشوائية وأحكام قضائية مستعجلة. في حادثة كفرذبيان الأخيرة، لم يتبين بعد من أطلق النار تحديداً، ومن أصاب إيف نوفل، ولماذا تأخر أصدقاؤه ثلاث ساعات لنقله إلى المستشفى أو الاتصال بالقوى الأمنية، وماذا كان الدور الحقيقي للنائب السابق فريد هيكل الخازن

يتكرر الأمر نفسه على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام منذ بضعة أشهر: يسقط من مجهول فجأة فيديو يظهر اعتداء قاضية على إحدى جاراتها. تقوم قيامة الرأي العام الافتراضي، مطالباً بإنزال أشد العقوبات بحق القاضية، ويحظى الفيديو خلال يومين فقط بأكثر من مئتي ألف مشاهدة. تمر الموجة، ليتبين بعد بضعة أيام أن ما جرى تناقله مجرد مقطع من فيديو طويل يظهر اعتداء الجارة على القاضية التي دافعت بضع ثوان فقط عن نفسها، وهي من تقدمت بالفيديو كاملاً إلى القضاء.

القاضية بريئة في المبدأ إذاً؛ لكن لا أحد يعتذر لها عمّا سبق أن قاله على تويتر أو فايسبوك، ولا يتجاوز عدد المشاهدين للفيديو الكامل بضع عشرات. حادثة سابقة، قضى أحد المتهمين بقتل زوجته أكثر من تسعة أشهر في السجن رغم تيقن القاضي من براءته، لخشية الأخير من ردود الفعل الافتراضية. وهو يعامل اليوم من قبل أبنائه وأسرته وكل من يلتقيه بوصفه قاتل زوجته. أما الأسبوع الماضي فانتقل الرأي العام الافتراضي هذا إلى إصدار أحكامه النهائية بحق المتهمين بقتل إيف نوفل والنائب السابق فريد هيكل الخازن ومنطقة جرود كسروان.

ماذا حصل في كفرذبيان؟

وقع الإشكال الأول، في أحد الملاهي، بين إيف نوفل وأصدقائه وشربل جورج خليل وأصدقائه قبيل منتصف الليل بقليل، على خلفية حديث عابر بين بطل لبنان في الرالي نقولا أميوني (كان برفقة إيف) وفتاة كانت برفقة خليل. حل الإشكال بعد تدخل صاحب الملهى، رغم تعرض خليل لجرح في شفته السفلى وكسر في أحد أسنانه بعد ضربه بزجاجة فودكا. لم يتصل أحد بالقوى الأمنية. لاحقاً، حين همّ نوفل بالمغادرة مع أميوني وصديق ثالث، فوجئوا بأحد أصدقاء خليل يقفل عليهم الطريق. مرة أخرى، لم يتصل أحد بالقوى الأمنية، بل اصطدم أميوني بالسيارة التي تسد الطريق وأكمل سيره بسيارته، وإيف وأحد أصدقائه في سيارة أخرى، وصديق ثالث والفتاة في سيارة أخرى. اتصل خليل بأقربائه، فحضر أربعة منهم وصديق خامس، مسلّحين، إلى حيث طلب منهم قريبهم ملاقاته. كمن الستة لأميوني، والتقطت كاميرات المراقبة صورهم. مرت سيارة أميوني بعدما أصيبت دواليبها، فيما أوقف الرصاص السيارة الثانية وفيها إيف وصديقه. من أطلقوا الرصاص أكّدوا أنهم كانوا يستهدفون الدواليب، بدليل إصابة إيف برصاصة في معدته وأخرى في فخذه، علماً بأن إشكال خليل كان مع أميوني، لا مع إيف، وهو كان يكمن للأول لا للثاني. التقارير الأمنية تشير إلى لجوء أصدقاء إيف، بعد إصابته، إلى أحد المجمعات السياحية، بدل توجههم إلى أحد المستشفيات، أو الاتصال بالصليب الأحمر أو استخبارات الجيش، أو أي من القوى الأمنية، علماً بأن للجيش نقطة بالقرب من مكان الحادث الذي وقع على مسافة أربع دقائق من مركز فصيلة درك في منطقة عيون السيمان. التبريرات تراوحت بين الخشية من التعرض لإطلاق نار مجدداً والقلق من الجليد. في ظل كلام كثير في الصالونات عن خشية هؤلاء من خضوعهم للتحقيق فور وصولهم إلى المستشفى وإلزامهم بإجراء الفحوص الطبية اللازمة للتأكد من عدم وجود مواد مخدرة في دمهم، إضافة إلى عدم تقديرهم لخطورة إصابة صديقهم. وفي النتيجة، وقع الحادث قرابة الثانية بعد منتصف الليل، ولم يصل إيف إلى مستشفى سان جورج في عجلتون قبل الرابعة والنصف فجراً، علماً بأن مطلقي النار لم يطاردوا السيارتين بعد إصابتهما، وهو ما يرجّح وجود عنتريات شبابية متهورة على وجود جريمة منظمة وعصابة قتل، كما ذكر بعض وسائل الإعلام.

دور فريد هيكل الخازن

في الساعات الأولى بعد الحادث، لم يؤتَ على ذكر النائب السابق فريد هيكل الخازن. فالشخصية السياسية المقرّبة من المتهم شربل جورج خليل هي شقيقة الرئيس ميشال سليمان، السيدة لودي صفير، المتهمة بتغطية “جماعات المرامل والكسارات” طوال سنوات العهد السابق. مع ذلك، لم يثبت أن آل سليمان أجروا أيّ اتصالات لتهريب القاتل أو تأمين تساهل قضائي معه. لكن سرعان ما بدأت كرة الثلج المتمثلة في حماية “زعامات سياسية” للمطلوبين بالتدحرج، ليتبين خلال بضع ساعات لعدة وسائل إعلام أن هناك ما هو أكبر بكثير من حادث فرديّ: هناك نائب سابق يحمي القتلة، وعصابات إجرام، وطفار يهيمون في أعالي كسروان يتربصون بالمتزلجين والسهرانين. والخازن، بحمايته تاريخياً لسائقي الكميونات ونصرته المرامل والمقالع والكسارات ورفضه تزلج الأسير وأنصاره في كفرذبيان، يتمتع بـ”جسم لبيس”، مع الأخذ في الاعتبار أن إنهاءه سياسياً يمثل مصلحة مشتركة للعونيين الذين يلاحظون استعادته لنفوذه في الجرد الكسرواني، وللقوات اللبنانية التي يحلم رئيسها باختفاء البيوتات السياسية الكسروانية. وسرعان ما وفّر الخازن لمواقع التواصل وبعض البرامج التلفزيونية كل ما تشتهيه. ففي ظل إقفال المرجعيات الكسروانية والنواب الحاليين أبوابهم، طرق أهالي المعنيين بحادث كفرذبيان باب منزله في جونية. وتقول مصادره إنه قبل طلب ضباط في فرع المعلومات توسطه لدى أهالي المتهمين لتسليم أنفسهم. بعد منتصف الليل، حضرت الأجهزة الأمنية والأهالي إلى منزل الخازن بعد موافقة أهالي اثنين من المطلوبين على تسليم ابنيهما بدل تضييع حياتهما كفارين من العدالة. لكن لم يكد زواره يغادرون حتى فوجئت زوجته بفيديو يصلها على الواتس أب لـ”فضيحة العصر”. لم يكن الفيديو سوى تسجيلٍ من ثلاثةٍ، التقطه مقربون من النائب السابق، بمعرفته وموافقته، لتوثيق لحظة دخول المطلوبين إلى العدالة إلى منزله ــ بحضور القوى الأمنية ــ لتوديع أهلهم والاختلاء بهم لدقائق قبيل توقيفهم رسمياً في الصالون نفسه. مرة أخرى، قامت قيامة الرأي العام الافتراضي الذي اكتشف “الحقيقة”.

ما سبق، دفع التيار الوطني الحر إلى “التكويع”: بعدما أقفل نواب كسروان العونيون الخمسة أبوابهم، رغم أن اثنين منهم يمثلون المنطقة المعنية بالأزمة، وأحدهم من آل خليل، عادت هيئة كسروان في التيار لتصدر بياناً يستنكر “اتهام أبناء قضاء كسروان، وخاصة أبناء جروده، بأبشع الصفات والنعوت”، مطالبة بـ”عدم التجنّي على أبناء منطقة بأكملها بسبب حادث فرديّ يتحمّل مسؤوليّته مرتكبوه فقط”. أما الخازن، من جهته، فطالب في مؤتمر صحافي بتنحية القاضي بيتر جرمانوس عن الملف، ليضطر التيار إلى إصدار بيان ثان يحاكي فيه كل ما قاله النائب السابق لناحية رفض ملاحقة المقربين من الموقوفين والتحقيق مع كثيرين ممن لا علاقة لهم بالقضية.

يتكرر الأمر نفسه كل فترة: تعلو موجة افتراضية فيتسلى الجمهور بالخبر الجديد أو الفيديو المقتطع لبضع ساعات، ثم ينشغل عنه بخبر آخر، وهكذا دواليك. تبدو الأمور طبيعية وربما صحية في حالة ميا خليفة أو جاكي شمعون أو ملكة جمال لبنان سالي جريج، إلا أنها تهدد بأزمة حقيقية حين تتعلق بقضايا جنائية أو ترتبط بحملات سياسية.