«رضينا بالهمّ والهمّ ما رضي فينا»، قد يكون هذا المثل هو الأبسط لوصف علاقة بلديّة كفردبيان بشركة «سياحة وإشتاء المزار»، التي تستثمر مشاعات جرد كسروان منذ ستينيات القرن الماضي. فهذه الشركة عدا عن أنها تشغل الأملاك العموميّة، وارتضى الأهالي حرمانهم من حقّهم بهذه الأملاك، بحجّة تفعيل السياحة في بلدتهم، ها هي اليوم تمنّنهم بممارسة التزلّج في بلدتهم، ووصل بها الأمر إلى حدّ منعهم من ذلك، بهدف ليّ ذراع البلديّة بعدما أطلقت عجلة إعادة تخمين الأراضي ومسحها وفتحت ملف المخالفات العقاريّة في نطاقها
في 3/2/2017 استدعى قائمقام كسروان جوزف منصور، مختار بلدة كفردبيان وسيم مهنّا، للتحقيق معه بـ”تجاوزات يقوم بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر تحريض أهالي البلدة على الدخول إلى مناطق التزلّج المُستثمرة من شركات خاصّة دون دفع الرسوم المُتوجّبة عليهم، وتوجيه تهديدات لتلك الشركات”، على ما جاء في “وثيقة إحالة” صادرة بتاريخ 18/1/2017 عن وزير الداخليّة والبلديّات نهاد المشنوق.
يُرجّح مهنا أن تكون شركة “المزار” وراء الشكوى المُقدّمة بحقّه، مشيراً إلى أنه “لم يتعدَّ يوماً سقف القانون والطرق السلميّة عند المطالبة بحقوق أهالي كفردبيان وحفظ كرامتهم”، وخصوصاً بعدما “سعت الشركة المُستثمرة إلى منع الأهالي من دخول حلبات التزلّج، قبل أن تفرض عليهم تعرفة موسميّة دون أي تخفيضات خاصّة، أسوة بنوادٍ أخرى”، ما يخرق التعهدات التي أبرمت مع البلديّة مع بداية موسم التزلج، بحسب ما يشير رئيس البلدية بسّام سلامة، (الذي سبق أن أُخذت إفادته في الملف نفسه) ويقضي بإصدار نحو 500 بطاقة دخول لأبناء البلدة إلى حلبات التزلّج بسعر 50 دولاراً أميركياً (بدلاً من 300 دولار أسوة بالسعر الممنوح لنوادي التزلج، أو 550 دولاراً للأفراد في الحلبة العادية، و850$ في حلبة الـRefuge الخاصّة بفندق مزار 2000).
هكذا قرّر وزير الداخليّة والبلديّات التحقيق مع مختار البلدة الذي يمتلك سلطة الوصاية عليه، انصياعاً لرغبات الشركة المُستثمرة وحفاظاً على مصالحها الخاصّة.
انفجار الأزمة
يأتي إجراء الشركة كردّ فعل على قرار المجلس البلديّ الحالي، والقاضي بتعيين لجنة بلديّة لإعادة تخمين ومسح الأراضي الواقعة في المنطقة العقاريّة التابعة لكفردبيان، بهدف تعديل القيم التأجيريّة التي تتقاضاها، وتبلغ راهناً نحو 80 مليون ليرة لبنانيّة، تعيد البلديّة نصفها إلى الشركة كدعم لمهرجانها الصيفيّ وبطاقات التزلج التي تُمنح لأبناء البلدة، بحسب ما تشير رئيسة لجنة السياحة في البلديّة جوزفين زغيب، إذ انفجرت الأزمة بينهما أواخر عام 2016، عندما أرسلت البلديّة في 30/12/2016 كتاباً إلى “شركة سياحة وإشتاء المزار” تطلب فيه “الحضور إلى البلديّة خلال 24 ساعة مع المستندات التي تثبت قانونيّة إشغال الشركة للعقارين 6652 و6653/ كفردبيان، لإجراء المقتضى تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونيّة”، كما وجّهت إنذارين إلى الشركة نفسها، الأوّل متعلّق بالعقار 4721 الذي تشغله الشركة من دون أي ترخيص قانوني، والثاني متعلّق بمجموعة من العقارات بمحاذاة العقار 4548 والتي تشغلها الشركة في الأملاك البلديّة العامّة وفي منطقة كفردبيان العقاريّة من دون أي ترخيص قانوني، على ما تشير البلديّة، وتطلب فيهما من ممثل الشركة “الحضور إلى البلديّة خلال 24 ساعة لإجراء المقتضى القانوني اللازم، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونيّة وإخلاء الأمكنة المذكورة”.
وقّع عقد إيجار جديد لمدّة 25 عاماً بقيمة 250 ألف دولار سنوياً لاستثمار نحو 50 مليون متر مربّع
تفاصيل عقد الاستثمار
تستثمر شركة “سياحة وإشتاء المزار” مشاعات الجرد الكسرواني منذ بداية ستينيات القرن الماضي، مقابل 15 ألف ليرة لبنانيّة سنوياً فقط، بحسب مصادر في اتحاد بلديّات كسروان، وتتبع لها شركتا “ريزوتس ديفلبمنت كومباني” و”مزار 2000″، المملوكة جميعها من رزق رزق والنائب في كتلة اللقاء الديموقراطي نعمة طعمة وأبنائهما. يقوم المشروع الاستثماري الضخم في قسم منه على أملاك خاصّة، وقسم على أملاك عامّة بلديّة، وقسم في مشاعات كسروان المملوكة من اتحاد بلديات كسروان (علماً بأن ملكيّة المشاعات هي موضع نزاع منذ ستينيات القرن الماضي بين الاتحاد وبلديّة كفردبيان). ويضمّ المشروع منتجع المزار، ونحو 42 منحدراً، وعدداً من حلبات التزلّج التي تتخطّى مساحتها الـ100 كيلومتر ويتراوح ارتفاعها بين 1850 و2465 متراً.
أمّا رزق (مالك المشروع) فيُعدّ من كبار رجال الأعمال اللبنانيين وعلى علاقة وطيدة بآل الحريري. فصداقته بالحريري الأب سهّلت حلّ النزاع القضائي بينه وبين اتحاد بلديّات كسروان في عام 1996، عندما فاز الأخير بدعوى ضدّ الشركة لتصحيح العقد، قبل أن تنجح الشركة في إقناع الاتحاد بعقد مصالحة قضت بتوقيع عقد إيجار جديد لمدّة 25 عاماً (تنتهي صلاحيّته في عام 2021) بقيمة 250 ألف دولار سنوياً، لاستثمار نحو 50 مليون متر مربّع في مشاعات الجرد، وذلك بموجب القرار الرقم 4 الصادر عن مجلس الوزراء في 28/8/1996.
مخالفات بالجملة
عل الرغم من توقيع عقد إيجار جديد بين الشركة واتحاد بلديّات كسروان حول إشغال العقارات المشاعيّة في كفردبيان، إلّا أن المشكلات لا تتوقّف هنا. فهي تبدأ بالتهرّب الضريبي وعدم دفع الشركة المبالغ التي كلّفتها بها البلديّة. في آب الماضي، خلال مهرجان الصيف الذي ينظّمه “المزار” سنوياً، تمنّعت الشركة عن تسجيل عقود الإيجار التي أبرمتها مع عدد من الشركات والمصارف، كما تمنّعت عن دفع مبلغ 50 مليون ليرة لبنانيّة للبلديّة مقابل تنظيم المعرض والمهرجان.
يضاف إلى ذلك وجود تسيّب ضريبي ممتدّ لسنوات سابقة يحرم البلديّة من القيمة التأجيريّة التي يُسمح لها بها بموجب القانون الرقم 60/88 (قانون الرسوم والعلاوات البلديّة) والتي يحدّدها بنسبة 8.5% من قيمة الإيجار، ذلك كون عقد الإيجار المُبرم مع الاتحاد غير مسجّل في البلديّة، ويمتنع طرفاه عن تزويد البلديّة بنسخة عنه. إضافة إلى التهربّ من دفع 80 ألف دولار سنوياً (لم تدفع إلّا مرّة واحدة) مقابل إشغال العقار الرقم 4721 (ملك بلديّ عام) الذي أغلقته الشركة بغية وصل أحد فنادقها بحلبة للتزلج (تُعرف بالروفوج ويبلغ الاشتراك الموسمي فيها للشخص الواحد نحو 850 دولاراً أميركياً)، وحوّلت مساره إلى طريق آخر، ناهيك عن استحداث مواقف سيّارات لحلبات التزلّج في أملاك بلديّة عامّة، إضافة إلى تأجير مساحات في المشروع لإحياء حفلات أعراس من دون دفع الضرائب المترتبة عليها.
إمارة مصالح خاصّة
الواقع الممتدّ منذ ستينيات القرن الماضي حوّل الجرود الكسروانيّة إلى إمارة للمشاريع الخاصّة وفيلات للسياسيين والخليجيين، ما زاد من التعدّيات على المشاعات وطوّر عمليّات شراء الأراضي طوال فترة التسعينيات، بما بدّل هويّة المنطقة العمرانيّة ورفع أسعار الأراضي في شكل هستيري وساهم في تهجير المزراعين والأهالي. لكن على الرغم من ذلك، لا يبدو أن الهدف من الإجراءات البلديّة الأخيرة، إغلاق المشروع، والحجّة عدم إطاحة السياحة التي تعدُّ مصدر رزق أساسي لأهالي البلدة، وإنّما وضع العلاقة بين البلديّة والاستثمارات الخاصّة في إطارها القانوني والحقوقي، بما يتيح لأبناء البلدة الاستفادة من الأملاك العموميّة من جهة، وزيادة مداخيل البلديّة بهدف إنماء البلدة من جهة ثانية، على ما يؤكّد رئيس البلديّة بسّام سلامة، مع الحفاظ على اسم كفردبيان وعدم طمسه. ويتابع سلامة: “نحن أمام ملف حقوقي وقانوني، ولا يجوز تسويق العمليّة على أنها قطع طرقات وإخلال بالسياحة، وإنّما في إطار تصحيح وضع شائب حكم العلاقة مع الشركات الخاصّة”.
ردّ الشركة
تشير الشركة في اتصال مع “الأخبار” إلى أن استثماراتها تعود لأكثر من خمسين سنة وأنها لطالما كانت على علاقة تعاون مع كلّ المجالس البلديّة المتعاقبة على كفردبيان، وأن “الإشكال الحاصل لا علاقة له بموضوع ورشة إعادة التخمين التي أطلقها المجلس البلديّ الجديد، وإنّما سببه القرار المتّخذ بترتيب مبلغ 50 دولاراً على أبناء البلدة سعراً لبطاقة التزلج، على أن تدفع البلديّة الفرق (يبلغ نحو 500 دولار) للشركة، وهو ما يعني ترتيب مبلغ بقيمة 250 ألف دولار أميركي سعر بطاقات تزلج، كان لدينا شكوك بموافقة وزارة الداخليّة على صرفه وطلبنا بحث الموضوع بعقلانيّة، ورغم ذلك حرّرنا 115 بطاقة لم نتقاضَ ثمنها حتى اليوم”.
وتضيف الشركة إن الرسوم التي تدفعها (80 مليون ليرة سنوياً) تحدّد من البلديّة نفسها وهي متعلّقة بإشغال أملاك بلديّة وغيرها، نافية التهرّب من دفع المستحقّات المترتبة عليها أو التعدّي على الأملاك العامّة. وأن تكليفها بمبلغ 50 مليون ليرة عن مهرجان الصيف هو موضع اعتراض قانوني كون قانون الرسوم والعلاوات البلديّة يعفي المهرجانات من أية رسوم. وتضيف الشركة إن “ما تشغله أمام العقار 4721 هو حاصل منذ سنوات طويلة وبموجب ترخيص ساري المفعول وصادر عن بلديّة كفردبيان ومصادق عليه من القائمقام” (تؤكّد البلديّة أنه غير موجود في سجلّاتها). وأن “كلّ ما هو متعلّق بالعقارين 6652 و6653 (بما فيه المواقف) يعود لاتحاد بلديات كسروان، المرجع الوحيد الصالح لإدارته”، علماً بأن قانون العلاوات والرسوم ينصّ على حقّ البلديّة في الحصول على قيمة تأجيريّة بنسبة 8.5% وأن يسجّل عقد الإيجار لديها في كلّ العقارات التي تقع ضمن نطاقها العقاري. وأن “المشار إليه بأنه أملاك عامّة بلديّة بمحاذاة العقار 4548 وغيره وإنما هي طريق إفراز غير منفّذة ولا يوجد أي مخالفة للشركة فيها”.