Site icon IMLebanon

خدام الذي لم يروِ قصة “تنصيبه” في لبنان

 

مات عبد الحليم خدام ولم تصدر مذكراته الموعودة. بعضهم قال انه يحتفظ بـ12 الف ورقة مكتوبة وابنه تحدث عن 30 الفاً، ودار كلامٌ منذ سنوات أن الموعد قد أزفَّ، لكن المذكرات لم تنشر.

 

أجرى خدام العديد من المقابلات التلفزيونية والصحافية منذ مغادرته سوريا الاسد، تحدث فيها دائماً عن ديكتاتورية النظام الذي أبعده، قاصداً تحديداً بشار الاسد، وعن محاولاته “الإصلاحية” التي لم تبصر النور… وكاد النظام يسمح بكل هذا الكلام لو أن نائب الرئيس ووزير الخارجية السابق لم يُدلِ بشهادته في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. عندها فقط صدرت الأحكام في حقه بوصفه يوهن عزيمة الامة ويتعامل مع العدو الصهيوني.

 

والحقيقة ان خدام عاش على هذه النغمة منذ نعومة أظافره في السلطة البعثية الدمشقية، أذكره متنمراً على اللبنانيين حلفاء وخصوماً منذ أرسله معلمه حافظ الاسد ليواكب سياسياً تدخل الجيش السوري في لبنان العام 1976. صنّف الناس على الفور حسب ولائهم للمشروع السوري: هذا وطني وهذا صهيوني، وفلسطينياً سادت اللغة نفسها الى ان بلغت خطة شق الفلسطينيين الذروة، فكان الخدام جاهزاً لتسمية مناصري منظمة التحرير بالعرفاتيين العملاء للصهيونية والرجعية، ثم لينظم مقتلتهم الجماعية على يد ازلام وعملاء، اما الذين يدعمون الحرتقات السورية فتم رفعهم الى مرتبة المقاومين الظافرين، الذين سيرثون السلطة في لبنان ويضعونها في خدمة السيد الرئيس والسيد النائب. مات خدام ولم يروِ قصة قيادته مسلسل الهيمنة السورية على لبنان، موحياً مثلما فعل لاحقوه في السلطة السورية ان المسؤولية تقع على غيره. منتقدوه من أنصار بشار حمّلوه مسؤولية التخريب السوري للحياة السياسية والاجتماعية اللبنانية، وهي رواية أتقنها أنصار الوصاية من اللبنانيين ولا يزالون، مختصرين قصة الهيمنة بثنائي خدام – غازي كنعان.

 

لم يُفصّل خدام سلوكه اللبناني، الا انه في كتابه عن العلاقات السورية الايرانية الصادر العام 2010 نسب الى حافظ الاسد تقييماً للسياسيين اللبنانيين خلاصته ان لا ثقة بالمسيحيين ولا بالسنّة، وان الاستاذ نبيه بري هو الزعيم الشيعي الموثوق منذ البداية من جانب القيادة السورية.

 

لم يعالج الكتاب هذه المسألة تفصيلاً، فتركيزه هو على العلاقات السورية – الايرانية التي وضعت لبناتها الأولى خلال زيارة هاشمي رفسنجاني دمشق في العام 1985. كان خدام من المنظرين لتلك العلاقة التي ستجعل المنطقة من لبنان حتى أفغانستان منطقة نفوذ إيرانية على حد قوله بحماسة.

 

لم يُعرف ما اذا كان إصدار هذا الكتاب في ذلك التوقيت هدفه التودد لإيران كمصدر رزق في المنفى الباريسي، لكن ما رواه حققه له بشار الاسد بعد قليل بوضعه سوريا في يد ايران كلياً.

 

كان الرجل مقاولاً من طراز عربي فظيع. شنّع في محدثيه، سحب فلوس أثرياء لبنان الطامعين في المناصب، وسرق مسبحة قيِّمة من يد علي عبدالله صالح على ما روى فاروق الشرع، وختم حياته السياسية باختراع جبهة للخلاص الوطني السوري على شاكلة الجبهات التي كان “يستخرعها” في لبنان على مدى 15 عاماً…، فكانت تلك الجبهة السورية “الطامحة” تكراراً، لكن هزلياً، لمغامرات “رجل الامة الواحدة ذات الرسالة الخالدة” في مصائبها.