IMLebanon

لقاء توزيع الخسائر في خلدة: البيت الداخلي أولاً

 

في لقاء كل يريده على مقاسه ليستفيد منه على طريقته وضمن جمهوره وحزبه، يستقبل رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني” طلال أرسلان في دارته في خلدة رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس “حزب التوحيد العربي” وئام وهاب. هي من المرات النادرة التي يلتقي فيها الثلاثة للتباحث في قضايا تعنى بالبيت الدرزي الداخلي.

 

لكل واحد من الثلاثة همومه الحزبية والمناطقية. في فترة بالغة الحساسية كالتي تمر فيها البلاد فان جنبلاط اكثر حاجة للهدوء الأمني والاجتماعي في الجبل. الرجل الباحث عن ترتيب أمور طائفته ليمهد لنجله هدوءاً داخل بيته الداخلي يسكنه القلق منذ زمن، لأن واقعه يعاكس تطلعاته في هذا المجال، فتيمور الشاب اليافع الأنيق حضوراً والذي يغلب على طبعه الهدوء، بات لا يختلف اثنان داخل الطائفة على قلة حيلته في تسلم مقاليد الزعامة خلفاً لوالده، وهو وإن صار زعيماً بالوراثة لكن ليس بالحضور لغاية اليوم، بدليل ان غيابه يزيد على حضوره في المهمات الجسام وعند المنعطفات، ليظهر بين فترة وأخرى خلال الاستقبالات او لمتابعة ملف من الملفات الاجتماعية والمطلبية. يهم جنبلاط في هذه الفترة ان يجمع اليه في كادر صورة واحدة المير والوزير السابق وله في ذلك ألف تبرير وسبب. فالضائقة المعيشية تطوقه وأيامها لن تكون قصيرة على ما يبدو، والحري به ان يتقاسم هموم الناس مع آخرين ليهتموا أقله بجمهورهم ومحازبيهم. اما النقطة الثانية فهي نقطة الاشكالات المتنقلة بين المحازبين في القرى الجبلية. مشاكل تقع من دون أسباب وخلفيات محددة بقدر ما هي توتر بين المحازبين، صار الاجدى قطع الطريق عليها لا سيما بعد ان كبر عدد الموقوفين والمطلوبين بين محازبي الاطراف الثلاثة.

 

بدأت قصة لقاء اليوم بالاشكال الذي سبق وحصل بين شبان تابعين لـ”حزب التوحيد العربي” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” في كفرحيم الشوفية. يومها اتصل وهاب الذي كان موجوداً خارج البلاد بجنبلاط واعداً بتسليم المتسببين بالمشكل، وبالفعل تم تسليم الجناة ليبادر وهاب الى زيارة رئيس الاشتراكي ويتم النقاش حول كل المواضيع العالقة داخل الطائفة. رأى جنبلاط ان معالجة مشكلة كفرحيم تستلزم علاجاً من الجذور، اي بإزالة التوترات المتنقلة بين المحازبين وإطلاق سراح الموقوفين على خلفية تلك الاحداث. يعتبر جنبلاط ان الحل يبدأ انطلاقاً من مشكلة قبرشمون فأخذ وهاب على نفسه ان يدخل وسيطاً مع ارسلان ويرتب لقاء ثلاثياً، تولى الوزير السابق غازي العريضي ترتيب اوراقه بتفويض من جنبلاط.

 

وعلى عكس ما تم تقديمه فالاجتماع ليس سياسياً ولا يمت بصلة الى محاولات يبذلها المير ارسلان لإعادة مد الجسور لجنبلاط باتجاه سوريا. فالموضوع ليس مطروحاً ولا سوريا مستعدة لذلك، فضلاً عن ان معالجته لن تكون مرهونة بوساطة ارسلان رغم علاقته المتينة مع الرئيس السوري بشار الاسد. بالموازاة لا يريده جنبلاط لقاء سياسياً بقدر ما يهدف الى لملمة شؤون وشجون الطائفة، حيث ان المرحلة بالغة الحساسية لا تتحمل المزيد من الانشقاقات والخلافات داخل البيت الواحد. المقصد الاول من اللقاء الاتفاق على تسليم المطلوبين من كل الجهات على خلفية أحداث سبق وشهدها الجبل، على ان يصار لاحقاً الى معالجة ملفاتهم تمهيداً لاطلاق سراحهم، خصوصاً وان الوشوشات بدأت تتوسع عن خروج محازبين من احزابهم بسبب اليأس وابتعادهم عن السياسة، او الانتساب الى المجتمع المدني وما حوله من علامات استفهام. أما الملف الثالث فهو مشيخة العقل والمجلس المذهبي، لم يتم الاتفاق على شيخ عقل للطائفة خلفاً للموجود والذي انتهت مدة ولايته، والارجح ان جنبلاط ليس بوارد فتح سجال حول التعيين ولن يمانع بشخص قريب منه وليس بعيداً عن ارسلان.

 

هي اذا صورة هدفها التهدئة لتكون رسالة الى اهالي الجبل والمحازبين على ابواب انتخابات بدأت تطل برأسها لتعيد تشكيل المواقف بما يتناسب وهواها.

 

بالمقابل يصب لقاء خلدة اليوم في مصلحة وهاب، ليثبت وجوده طرفاً في الجبل الذي كان حتى الامس القريب بزعامة جنبلاط، فصارت زعامته موزعة على ثلاث شُعب ولو ان حضوره بقي الاقوى والاكثر تأثيراً.

 

في مشهد بانورامي طائفي يبدو حضور الطائفة الدرزية اليوم معاكساً لحضورها في الماضي، بيضة القبان التي يسعى الجميع لملاقاتها، لم تعد كما كانت بعد ان تبدلت الظروف الاقليمية والدولية. وتسليماً بمبدأ أن من يقدم الدم في المواجهة يكُن الاقوى، فالحضور الاقوى اليوم هو لـ”حزب الله” بين لبنان وسوريا والذي لم ترمم علاقته تماماً مع جنبلاط، بل انها تقتصر على اجتماعات ثنائية ولجان تنسيق فيما يؤكد الجميع على الحضور المسيحي الذي يفقد لبنان مع غيابه التنوع والانفتاح، وما بينهما تراجع الحضور الدرزي بسبب ابتعاد جنبلاط عن سوريا ورهاناته التي عاكستها الوقائع.

 

من يقابل جنبلاط ويجالسه ينقل ان الرجل لم يعد كسابق عهده، يسكنه القلق، وقلقه ليس من فراغ، قلق على البلد والطائفة والبيت داخل الطائفة وزعامة الابن، كلها هواجس لم يعد مهماً إزاءها حضور يتقاسمه مع ارسلان ووهاب مسلماً بحيثيّتيهما. أفضل ما في جنبلاط واقعيته وجرأته وتوصيفه للواقع، ومن اكثر جرأة من زعيم خرج ناصحاً بالتسوية بين الحليف والخصم؟ يقول كل ذلك وعينه على الطائفة التي يعرف حكماً انها الحلقة الاضعف التي ستكون أكثر تأثراً بالرياح حين تشتد من حولها.

 

اذاً، لقاء اليوم ليس تقاسماً للمغانم كما تكون العادة بقدر ما هدفه توزيع الخسائر للحد منها.