Site icon IMLebanon

أين كان الجيش؟

 

 

المطلوب بعد أحداث الأمس الدّامية التّي كشفت هشاشة الوضع الأمني، مثلما كشفت التّعامل الأمني بخفّة مع حادثة قتل كان واضحاً وبشدّة أنّها لن تمرّ مرور الكرام، وأنّ النّار تحت الرّماد، وأنّ الفتنة قريبة جدّاً، وأنّ نيرانها “تعسّ” في النفوس، وأنّه عندما تتخلّى الدولة والقوى الأمنية والعسكرية والقضاء عن القيام بواجباتهم في إلقاء القبض على قاتل أطلق على قلب طفلٍ ثلاث رصاصات وبقي حرّاً طليقاً طوال عام كامل ومحميّاً من حزب الله تكون النتيجة أن يلجأ الناس إلى أخذ حقّهم بأيديهم، فكيف إذا كان في الأساس الطفل المقتول ينتمي إلى عشائر لا تزال تحكمها عقليّة الثأر تماماً مثل الكثير من بيئة حزب الله الذين يأخذون بثأرهم حتى من جنود الجيش والقوى الأمنية إن قتل منهم تاجر مخدّرات أو رئيس عصابة سرقة سيّارات، كان يفترض بالجميع أن يحسبوا أن نتيجة تراخيهم في تطبيق العدالة ستقودنا إلى شريعة الغاب، هذه نتيجة تلقائية لعدم تطبيق العدالة بل وتطبيقها على ناس وناس!!

 

فرض السؤال نفسه بالأمس، أين كان الجيش بالأمس؟ لماذا غاب عن الانتشار في المنطقة درءاً لكلّ ما حدث، خصوصاً وأنّه مع اشتباكات العام الماضي في المنطقة نفسها كان هناك كلام كثير، إذا حكّمَ المرء حسن النيّة، عن غضّ نظر الجيش ومخابراته عن افتعال علي شبلي ومن معه معركة العام الماضي، وإذا حُكّم سوء النيّة عن تواطؤ لمخابرات الجيش وحماية لشبلي ومجموعته، وبصرف النّظر عن صحّة أو عدم صحّة هذا الكلام فالنّفوس فيها ما فيها منذ العام الماضي، والسؤال هو نفسه من العام الماضي أين كان الجيش، ولماذا تأخّر في التدخّل؟ بالأمس أيضاً وقبيل الجنازة حملت المواقع الإخباريّة صورة لبضعة جنود يقومون بحماية سنتر شبلي قبيل وصول الجنازة، هل كان من المنطق الأمني التعامل بهذه الخفّة مع جنازة كلّ من فيها مسلّح، بل مدجّج بجعب الرصاص ودخل بالجنازة المنطلقة من الشارع الملاصق والمشرف على حيّ عشائر العرب تاركاً العنان لرصاص كالشتاء، هذا عدا عن الهتافات المذهبيّة الكافية لإشعال حربٍ مذهبيّة تودي بالبلاد إلى حرب لا تبقي ولا تذر مع التهديد بـ”بدنا ندعسكن يا عشاير العرب”، هل هذه جنازة أم 7 أيّار مصغّر، من المؤسف أنّه حتى في 7 أيّار وقف الجيش يتفرّج ولم يتدخّل، والأخطر أنّه كان بالأمس غائباً؟!

 

الجيش ليس متهمّاً هنا ولو بمقدار ذرّة، بل على العكس لا خلاص للبنان من السّلاح المتفلّت ومن سلاح الدويلة المستقوية على الشّعب والدولة إلا بالجيش اللبناني وحده، ولكن هناك تساؤل عن تقدير أمني استخفّ بحقيقة الموقف، وهذا الاستخفاف قاد إلى كارثة، ألم يكن من الأجدى لو عمد المسؤولون عن تقدير الوضع الأمني لو نشروا الفوج المجوقل قبل الكارثة؟ ألم يكونوا قاموا بواجبهم تجاه الآمنين الذين علقوا بسياراتهم على أتوستراد خلدة ثم تركوا وسط الشارع لينجوا بأرواحهم؟ ألم يكن من الأفضل لو رسم الجيش خط سير الجنازة وقطع الطريق على مداخل حي عرب خلدة وأقفلها بدباباته ليفرض هيبته ويمنع إطلاق النّار على بيوت العرب؟ ثمّ من الذي يتخذ القرار بانسحاب الجيش وانتظاره حتى ينتهي تقتيل النّاس لبعضهم ليدخل وينتشر في مواقع الاشتباكات؟

 

ما حدث بالأمس لم ينتهِ، وعلى الجميع التعاطي مع الأمر على هذا الأساس، لقد سقط قتيلان لحزب الله وبيئته المنتفخة بفائض قوّة وهم السّلاح فائرة بفعل شعورهم بخسارة معركة تأديب عشيرة الذي قتل علي شبلي، وعشائر عرب خلدة جزء من امتداد طويل عريض منتشر في كلّ لبنان للعشائر العربيّة، الفتنة أخرجت رأسها بالأمس، وإذا استمرّ تقدير الأمور أمنيّاً بالاستخفاف الذي رأيناه بالأمس فالبلاد ستنزلق إلى فوضى ـ حتى لا نقول فتنة مذهبيّة ـ لا تحمد عقباها أبداً.