يحق لرئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون دائماً ما لا يحق لغيره. يحق له الذهاب إلى باريس للتفاوض مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بشأن رئاسة الجمهورية، وإشهار “الإبراء المستحيل” ثم “ضبه”، وفتح الملف تلو الآخر ثم إهماله.
ثقة المناصرين العمياء به تسمح له بنبش “مقابر القوات” في حامات وغيرها يوماً والدعوة إلى إفراغ الذاكرة مما فيها يوماً آخر. يحق للجنرال قرع طبول ملف المهجرين قبل أن يزور بنفسه المختارة دون المرور بقبوها لاستعادة أجراس الكنائس المفقودة. يمكن عون فعل ما يعجز الآخرون عن فعله؛ يمكنه تحويل ضواحي حلب إلى بيت لحم الموارنة فيحجون بالآلاف إلى خربتها. يمكنه طي ورقة وقراءة أخرى فينسى الجمهور أن شعاره لبنان أكبر من أن يبلع وأصغر من أن يقسّم، وتصبح الفدرالية هي الحل طالما يرفض الآخرون التسويات. يحق للجنرال أن يخاصم القوات ويحق له أن يصالحها. يحق له معارضة مبدأ توزير الراسبين ثم تبنيه، واعتبار المجلس غير شرعي تارة وتارة شرعيا. لدى مستشاريه دوماً كم هائل من التبريرات المقنعة… لجمهورهم. من صالح جمهوره مع القوات اللبنانية دون أن يضطر إلى قول كلمة واحدة، يمكنه طبعاً التصالح مع النائب خالد ضاهر. يأخذ العونيون الكلمة الأخيرة دوماً؛ وكلمات ضاهر الأخيرة تؤيد انتخاب العماد عون رئيساً. ما لهم هم ومجزرة حلبا أو دور ضاهر في بداية الأزمة السورية او تصعيده ضد الجيش؟
الحقد على القوات سببته الأفعال، فيما حقد العونيين على ضاهر سببته الأقوال فقط. ينسى ضاهر ما قاله العونيون عنه، وينسى العونيون ما قاله ضاهر عنهم، ويتبادلون القبل. ساعات التخلي في الحياة السياسية اللبنانية كثيرة، وتلك كانت ساعة تخل بالنسبة لعون وضاهر. الآن يستعيدان رشدهما فيكتشفان أن ما يجمعهما أكثر بكثير مما يفرقهما. إنه قلب السياسيين الكبير، والموسم موسم غردينيا. أول من أمس أجرى رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون اتصالاً ــ هو الثالث منذ ثلاثة أشهر ــ بالنائب خالد ضاهر. واتفقا خلاله على تنظيم زيارة علنية لوفد عونيّ، بعد زيارتين غير معلن عنهما لعضو المكتب السياسي جيمي جبور، إلى منزل ضاهر، تمهد لزيارة الأخير إلى الرابية التي لم يحدد موعدها النهائي بعد لكنها قريبة جداً. دخل القياديّ في التيار بيار رفول بثقة إلى شقة ضاهر، سلم ثم عانق ثم تبادلا القبل. ضاهر بشوش ويسعده كسر الطوق المستقبليّ؛ سعى المستقبليون إلى تطويقه بالمناسبة بعدما بالغ في مواقفه التصعيدية وسمح للعونيين بتعبئة الرأي العام ضدهم باعتبارهم متطرفين. أمس كان المستقبل مستبعداً، فيما ضاهر والعونيون يتبادلان القبل. واللقاء كان في غاية الود. فضاهر في الجلسات المغلقة غير ضاهر أمام شاشات التلفزيون، يقول أحد العونيين الذين خرجوا مبهورين بهضامة ضاهر وسعة رؤيته وثقافته الواسعة. باتوا أكثر تفهماً لموقفه من الأرمن عشية المجازر الأرمنية، ومن تمثال يسوع الملك عشية الإشكال بشأن ساحة عبد الحميد كرامي، ومن الجيش غداة مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد. وقد حدثهم “الحاج” عن ذكرياته المشتركة مع العونيين حين “جمعنا العداء للاستخبارات السورية” في أكثر من محطة على نحو جعل أحد الحاضرين يشك فعلاً في أنه سبق أن رآه في بذلة أنصار الجيش في تلك المرحلة. أما خلاف السنوات القليلة الماضية مع الجنرال، فكان “خلافا تكتيكيا” حرص ضاهر على الاعتذار بطريقة غير مباشرة عما رافقه من مبالغات أحياناً. فهو لم يقصد ما يظن الآخرون أنه قصده حين قال عن عون كل ما قاله. وأمام اندفاع ضاهر لم يجد الوفد العونيّ ما يقوله غير شكره مراراً وتكراراً على كل مواقفه الأخيرة، مقدرين كثيراً تأكيده اختيار عون رئيساً إذا خُيّر بينه وبين فرنجية. وكان “الحاج” قد أعد لضيوفه القهوة والشاي والزنجبيل مع العسل. ومساءً، بين اتصال هاتفي وآخر، كان الضاهر يرندح الأغنية العونية الشهيرة: عونَك جايي من الله…