يتهم النائب خالد ضاهر قائد الجيش العماد جان قهوجي، بالسعي للوصول إلى رئاسة الجمهورية على «دماء أهل السنّة». برأيه، الجيش عموماً، ومديرية الاستخبارات خصوصاً، يعملان لدى قوى 8 آذار، ويشوّهان سمعة طرابلس وصيدا والبقاع الأوسط
عضو كتلة المستقبل النيابية خالد ضاهر لا ينوي رفع الرايات البيضاء. لا يزال منزله الملاصق لأحد المساجد، قبالة مستشفى السلام في منطقة الضم والفرز الطرابلسية، يضجّ بالحياة، خلافاً لمجمّعات صيداوية وشمالية أخرى. لا يعنيه «حوار الضرورة» بين حزب الله وتيار المستقبل، ولا الحرب القائمة بين حزب الله و»داعش». في رأيه، «المطلوب سياسياً وعسكرياً إنهاك حزب الله»، لكنه لن يشارك في هذه ولا في تلك. «أنا أتفرج من بعيد على البطيخ يكسّر بعضه».
يبدأ الحديث من تنظيم «داعش». لماذا لم يبايع العضو السابق في الجماعة الإسلامية «دولة البغدادي» بعد؟ جوابه سريع: «داعش جماعة إرهابية». ثم يشرح: «لست أنا من يصنف التنظيم إرهابياً. هو صنّف نفسه كذلك في تأكيده السعي الدائم إلى إرهاب أعدائه». يتضح القصد إذاً. لا يهدف نائب «المستقبل» إلى الإساءة إلى التنظيم. بل يدخل في عملية التبرير: «ما يفعله داعش ردّ طبيعي على أفعال حزب الله. نحن لنا شخصيتنا، ولا نؤمن بأسلوب داعش. قتال حزب الله وداعش لا يعنينا. هو قتال تنظيمين إرهابيين». يحادث ضاهر «الأخبار» كما يحدّث جمهوره في المناسبات الاجتماعية المختلفة: «أوقع الحزب نفسه في مستنقع يستحيل الخروج منه». يعدّد أرقاماً خيالية عن شهداء الحزب ومصابيه، مفصّلاً أعداد الجرحى العاديين وذوي الإصابات الحرجة .
ينتقل «نائب الأمة» إلى الملفّ الأحبّ إلى قلبه: «أرفض بشدّة زج الجيش في هذا الصراع. هذه ليست معركتنا. إرهاب يقاتل إرهاباً. اللهم اشغل الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين. للدروز والشيعة والمسيحيين مرجعياتهم، وأرفض انحياز الجيش إلى أحد الفريقين ومقتل العسكريين السنّة دفاعاً عن حزب الله». هل تدعو، إذاً، عناصر الجيش إلى الانشقاق؟ يجيب: «هذا موقفي بوضوح: لا أطلب من العسكريين الانشقاق، لكن على من يرسلون أبناءهم لحماية حزب الله التفكير جيداً. هناك من رفضوا الذهاب إلى عرسال. لم ينشقّوا، لكنهم بقوا في منازلهم».
كيف يمكن كتلة المستقبل التي تمثّل «تيار الاعتدال والوسطية» ان تتحمّل كل مواقفه؟ يجيب: «أنا أقول علناً ما يقولونه هم سراً». ويضيف: «هناك ممارسات وأخطاء شنيعة. يقولون إن مناطقنا خزّان الجيش ويتصرّفون كأننا منطقة معادية. في اجتماعات الكتلة، نتحدث دائماً عن تجاوزات الاستخبارات. هناك جماعة مهذبون. لعلّي أنا بلا تهذيب. أنا متفاهم مع رئيس الكتلة فؤاد السنيورة على رفع الصوت لوقف الإساءات إلى المواطنين. يوجد البعض في الجيش، لكن الكل في الاستخبارات ينتهكون حقوق الإنسان. إساءات قائد الجيش بلغت حد اقتحام منزلي، وقصدهم يفزّعوني. أنا لا أفزع. أنا ضد الجيش؟ أنا ضد الإهانات والرذالة».
لا يقول ضاهر كل ما سبق بانفعال، بل بهدوء بارز: «الجيش عموماً ومديرية الاستخبارات خصوصاً يقهران السنّة علناً». هل من أمثلة؟ «آخر مرة كان هناك 11 شاباً جامعياً في طريقهم إلى جبال الضنية للتنزّه، اقتادوهم جميعاً إلى مركز الاستخبارات. لم تكن ثمة شبهة أمنية حول أيٍّ منهم ولم يكونوا مسلحين، ولا يوجد أي شيء بحقهم. لكن بمجرد أنهم سنّة، كانوا متهمين بالإرهاب. هذا لا يحتمل. في القلمون، أوقفوا ما سمّوه أول خلية مع همروجة إعلامية، ليتبين أنها ليست خلية ولا علاقة لها بأي شيء. لم يتعلموا. أوقفوا خلية ثانية جلّها من أساتذة الجامعات والمهندسين ليثبت أن ليس لها علاقة بأي شيء. الشيخ سمير علمان أُهين في طريقه إلى الجامع للصلاة. كيف قتل خضر المصري وسامر نيغرو وغيرهما الكثير؟ يعتدون على المواطنين. صار كل ملتح إرهابياً. تركيب ملفات. الشيعي يعود من سوريا بطلاً بالنسبة إلى الدولة اللبنانية أما السني فيرجع إرهابياً».
للوهلة الأولى يبدو حديث ضاهر مجرد عبارات مترابطة. لكن التدقيق فيها يكشف عن مجموعة شعارات يتقن النائب الخمسيني زرعها في عقول المستمعين وعواطفهم: «كل سنّي لديه بندقية يُحوّل إلى المحكمة العسكرية الواقعة هي الأخرى تحت سيطرة حزب إيران. لن أقول إنني ضد الجيش. كل دولة تحتاج إلى جيش للدفاع عن حدودها. أنا ضد الممارسات الشاذة. ضد البيع والشراء». يقول ضاهر عن قائد استخبارات الجيش في الشمال العقيد عامر الحسن: «هو ومعلمه (قهوجي) يعملان عند قوى 8 آذار والنظام السوري. يؤذيان الساحة السنية ويشوّهان سمعتها خدمة للنظام السوري. كان (الرئيس السوري) بشار الأسد يقول إن هناك إمارة. اليوم قهوجي يخبرنا أنه منع إعلان الإمارة».
ألم تحصل محاولات لجمعك وقهوجي؟ يجيب: «باءت بالفشل. لا تحل مشكلته معنا بإعطائنا خدمات كتوظيف كمّ عسكري كما يفعل مع غيرنا. الاستخبارات غدت بزنس. يتقاضون ثلاثة آلاف دولار لقاء تطويع العسكري». لا ينتهي التصعيد هنا، يكمل: «قائد الجيش يريد أن ينتخب رئيساً للجمهورية على دماء أهل السنّة».
قبل سنوات سمع النائب خالد ضاهر أحدهم يقول: «من يعلق مع فقير يخسر، ومن يعلق مع الدولة يكبر». لم يكن الصوت لملاك يوحي إليه، إلا أنه آثر من يومها الوقوف ضد الدولة. انتقاد الجيش يقع في سياق «حقي في المعارضة». ومواقفه هذه تقوّيه. بالنسبة إلى جمهور 8 آذار ليس ضاهر سوى شتّام لمؤسسة الجيش واستخباراتها، متهم بالتورط في مجزرة حلبا، ومدّ المسلحين السوريين بما يلزمهم. أما بالنسبة إلى الجمهور الآخر، فهو عضو في كتلة المستقبل النيابية، يتقن زرع الشعارات في رؤوس المستمعين أكثر من النائب السابق فارس سعيد طبعاً وكل شخصيات 14 آذار الأخرى. واللافت أن قوى 8 آذار، رغم كل اتهاماتها له، لم تطلب رسمياً من المجلس النيابي رفع الحصانة النيابية عنه. فيما اكتفت قيادة الجيش ببعض التسريبات الصحافية والعراضات العسكرية. أما تيار المستقبل فتحمّل مواقفه، كأنه يدرك أن خسائره بسبب النائب العكاري في بعض الأوساط المسيحية أقل بكثير من أرباحه في البيئة المستقبلية التي يشدّ ضاهر عصبها.