تذكرت ما كان قد تناهى إلينا، في مقتبل عمر الشباب عن عدم ارتياح الرئيس الأمير فؤاد شهاب الى تدخين الرئيس صائب سلام السيكار في مجلس الوزراء. إذ كان الأمير الشهابي اللواء (وكانت أعلى رتبة عسكرية في حينه) صاحب موقف حاد ضدّ التدخين، وكان يتبرّم من إصرار صائب بك (رحمهما الله) على إشعال جذوة سيكاره ما إن يضرب شهاب الطاولة بالمطرقة معلناً افتتاح الجلسة. ويقال إن تمسك أبي تمام بالسيكار كان أحد أسباب استغناء شهاب عن الحكومة واستطابته أن يجلس الى يمينه المرحوم الرئيس رشيد كرامي… علماً أن أفندي طرابلس لم يكن يدخّن إلاّ النارجيلة، ونادراً. وهذه ما كان في الإمكان نقلها الى مجلس الوزراء، ولا كان رشيد أفندي يريد ذلك.
تذكّرت هذه النادرة عندما قرأت ما نقلته وكالة أنباء عالمية عن الرئيس الأميركي ترامب قوله لبعض المقربين إنه غير معجب بشاربي مستشاره للأمن القومي جون بولتون مضيفاً «هذان الشاربان لن يكونا مناسبين في إدارتي».
إلاّ أنني لا أقبل هذه الرواية كسبب رئيس لإطاحة بولتون من الموقع الحساس الذي كان يشغله حتى قبل يومين، مع إقراري بأنّ للحساسيات الشخصية، ولأشياء قد تعتبر صغيرة أو تافهة، بعضاً غير قليل من التأثير في اتخاذ القرارت الكبيرة.
فالمعلومات المتداولة داخل المنتديات السياسية الأميركية، على نطاق واسع، عزت إقالة بولتون الى خلافات جذرية في السياسة. (ملاحظة سريعة: على عادته لم يعطِ ترامب بولتون ترَف أن يتقدم بإستقالته، فغرد معلناً طرده). وفي المعلومات تلك أن الخلافات بين الرجلين واسعة جداً وتمتد مروحتها من ڤنزويلا الى كوريا الشمالية.
بولتون كان الصقر الأبرز بين المسؤولين المحيطين بترامب، قلما توافق وإياه على قضية ساخنة واحدة. وكان يسرّب الى وسائل الإعلام أخبار خلافه مع رئيسه الذي يستشيط غيظاً ضدّ «هاتك أسرار الإدارة».
ولعلّ الخلاف الأخطر، الذي يعنينا في الإقليم كان يدور حول الملف الإيراني، فبينما كان بولتون (من قبل انضمامه الى إدارة ترامب) مغالياً في دعوته الى توجيه «ضربة قاضية» (حسب زعمه) الى إيران، كان ترامب (ولا يزال) يميل الى الحلّ السياسي مع طهران… علماً أن الرجلين إتفقا على خروج واشنطن من الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
وحول الملف بين روسيا وأوكرانيا كان ترامب ميالاً الى الحصول على مكاسب ولكن بالتسوية وليس كما يرى بولتون أي بحشد السلاح في خزانات الجيش الأوكراني الذي لا يمكنه الصمود من دون دعم أميركي مباشر.
وكذلك بالنسبة الى كوريا الشمالية لم يأخذ ترامب بنصيحة بولتون استخدام العنف لـِ»جرّ» بيونغ يانغ الى «بيت الطاعة» وكان المستشار ينصح الرئيس أيضاً بالتلويح بالسلاح النووي.
أما في ڤنزويلا فقد «مشى» ترامب بنصيحة بولتون لجهة تصعيد الموقف ضد الرئيس نيكولاس مادورو وتسليم الحكم الى الزعيم المعارض الشاب خوان غوايدو… ولكن المخطط فشل فلا ذاك سقط ولا هذا ترأس! (…)
والأمثلة تطول. وتبقى إشارتان. الأولى – إنّ اكثر المصدومين بإقالة بولتون هو رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو. (وتليه أطراف عربية)… والثانية – وأكثر الفرحين هم المسؤولون الإيرانيون. فماذا تكون الانعكاسات على الإقليم؟!