مشهدان فرضا ذاتهما الأيام الماضية على الحياة السياسية في لبنان وهما متداخلان مترابطان وإن كانت العناوين حصرية لكل منهما تحمل بعدا وجوديا ومستقبليا.
فالأول هو الحراك الرافض للضرائب وارهاق المواطنين الذي تحول الى مواجهة بين أحزاب السلطة وبين تحالف الأحزاب المعارضة «الكتائب اللبنانية والاحرار» والحراك المدني ومجموعة من مستقلي 14 آذار.
والثاني هو الحشد الشعبي في المختارة في ذكرى الأربعين لاغتيال مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط.
ففي ما خص الاعتراض الشعبي- الحزبي على فرض الضرائب على المواطنين بدا أن الأمر له انعكاسات داخل فريق السلطة، الذي بدأ يعبر بطريقة واضحة عن ارتدادات هذا الحراك عليه كرئيس الحكومة سعد الحريري الذي وجد نفسه وحيدا في المواجهة، فيما قوى حكومية تعتبر أنها تستنزف من رصيدها في مقابل تريث الحلفاء الطبيعيين على ما هو الواقع لدى التيار الوطني الحر بحيث يدور الكلام على مستوى رئاسي في هذا التيار بأن الأمور ليست على ما يرام ويواجه الوزير جبران باسيل كرئيس للتيار الوطني الحر وحده أزمة قانون الانتخاب الذي هو هاجس لدى الرئيس ميشال عون.
وفي حين لم يتم توافق القوى السياسية على أي من هذه الصيغ بدأ التيار الوطني الحر يجد نفسه أمام استحقاقات تجعله في موقف صعب نتيجة انعكاساتها عليه، فهو يدفع باتجاه الموازنة والسلسلة لكن ما تبين له أن كل من الأساتذة، العسكريين، الطبقة الوسطى، المصارف، الشركات لن تكون راضية بعد أن بدا أن الحراك الشعبي يجاهر علنا بأن الفساد لا يمكن أن يتوقف وأنه الى ذلك تعمد الدولة الى أخذ الأموال من جيوب الفقراء والطبقات غير الميسورة كما أن الشركات الخاصة بدأت تتململ لكونها تعي أن العاملين في القطاع الخاص سيتحركون بعدها للمطالبة بزيادة الرواتب، كل ذلك يأتي في وقت لا يمكن فيه ضبط الفساد والصفقات على ما بدا في احالة الأموال وصرفها خلال اجتماعات الحكومة بحيث تحول ال 100 مليار وال 200 مليار في اتجاه وزارة محسوبة على فريق سلطوي وكأن الخزينة تعاني من فائض مالي وبامكان الحصول على الأموال من الشعب اللبناني الذي يعيش حالة من الرخاء الاقتصادي.
أما في ما خص القوات اللبنانية التي اجتمعت كتلتها الوزارية مؤخراً برئاسة الدكتور سمير جعجع، فاتخذت قرارا بفرملة اندفاعتها الداعمة للموازنة، سيما أنها كفريق لا تجني أي استفادة من السلسلة والفريق المعني بها مباشرة بقدر ما بدا أنها فريق سياسي شريك في السلطة ولا تعنيه الأوضاع الاجتماعية المتردية للمواطن، وأنها كقوات غير مشاركة في أي صفقات أو حالات فساد تدفعها الى غض النظر أو تحمل هذه الحملة التي جعلتها متضامنة مع القوى القاهرة للشعب في حين بدا رئيس حرب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل رأس حربة في محاربة الفساد وفي دفاعه عن الشعب المقهور وهو الامر الذي حدا جعجع الذي توقف أمام أرقام الموازنة على ان يتمسك بضرورة الوقوف عند سقف محدد وليس الاستمرار في رفع الاسعار عند كل مرحلة وكل عام دون ضبط مزاريب الهدر.
وإن كان تيار المستقبل والتيار الوطني الحر حسب أوساط وزارية لم يكونا متحمسين الى هذه المواجهة الشعبية نظرا لما حمل هذا الحراك من تداعيات على صورتي عهد الرئيس العون وحكومة الرئيس سعد الحريري فإن مداخلة وزير المالية علي حسن خليل بربط اقرار الموازنة بقانون الانتخاب في الجلسة الاخيرة للحكومة بين لهما أن التحالف الشيعي الثنائي يريد أن يأكل «عجة من دون أن يكسر بيض» أي أنه يريد أن يرضي جمهوره من خلال ما يكسبه من هذه القرارات المالية من دون ان يؤمن غطاء للضرائب او يتحمل مسؤولية انتظام العمل في بعض المؤسسات وكذلك المشاريع. وقد جاء موقف امين عام حزب الله جد واضحا برفضه الضرائب التي تشمل الطبقة الفقيرة.
وتقول الأوساط الوزارية ان موقف خليل أتى من زاوية أنه اذا كان اقرار الموازنة سيشكل مكسبا معنويا لكل من عون والحريري فإن ذلك لن يمر قبل انهاء صيغة قانون الانتخاب طالما أن عون هدد بالفراغ النيابي وبذلك فإن الثنائي الشيعي تتابع الأوساط الوزارية لا يريد «حرق أصابعه» في تغطية مداخيل السلسلة والموازنة وفي الوقت نفسه لن يسهل عمليا أمام الوزير باسيل حراكه لايصال البلاد الى صيغة انتخابية متوازنة طالما أن النسبية المطلقة غير ممكن تحقيقها في لبنان وفي هذا الوقت، فقد بدا واضحا تتابع الأوساط أن الحكومة أمام مأزق يرتبه السعي المشترك بين عون والحريري لانطلاق نشاط الحكم بعد التسوية الرئاسية بما جعل الفرقاء في دائرة الانزلاق نحو الوراء في مهلة لم يكن مرتقباً لها أن تشهد هذا الواقع.
أما في ما خص مشهد المختارة فهو في حد ذاته رسالة درزية تحمل في طياتها وفق الاطار الذي رسمه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بعدا وجوديا ومستقبليا على ما هو الواقع لدى الحراك الشعبي والأحزاب المعارضة التي تعتبر أن الاجراءات الحكومية لها صلة بالمصير والمستقبل لدى كل مواطن، بحيث حمل حشد المختارة أكثر من رسالة وفق الآتي :
1- هدف جنبلاط الى استنهاض الطائفة الدرزية ولا سيما بقوله إذا دقت الساعة «ادفنوا أمواتكم وانهضوا» اي اذا تعرضت الطائفة لتعديات ذات أبعاد مختلفة يتطلب الأمر استنفارا والخروج من حالة الركود الذي وضعهم فيها منذ العام 2009، مستكملا ذلك «بتزعم» تيمور في هكذا مناسبة لا تختلف عن المرحلة التي تولى فيها زعامته للطائفة منذ 40 عاما، وإن كان القدر أحيانا في هذه المنطقة قد لا يعتمد التسلسل القيادي التوارثي ربما للأحزاب أو الطوائف على ما شهدته الساحة اللبنانية في السابق، اذا كان من بد…
2- وجود الحريري الى جانب جنبلاط في خطوة تعتبر تضامنا معه كما تضامن الأخير مع رئيس المستقبل اثر استشهاد والده، بما يعني إن رابط المصير بينهما سيبقى واحدا رغم التباين غير الجوهري في المواقف، فقد حمل وجود الحريري رسالة الى الطائفة الدرزية بأنه الى جانبها وكذلك استطاع جنبلاط أن يقول للدروز انهم حلفاء الطائفة السنية التي هي «أمة وعدد ومدد» ووجود زعيمها في المختارة في يوم ذكرى اغتيال كمال جنبلاط.
3- حمل مشهد المختارة حسب مراقبين استعادة لتحالف نشأ في العام 1983 بين الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل التي مثل عدد من أعضائها الرئيس نبيه بري في رسالة تحمل تعاضدا وتماسكا بخلفيات داخلية لمواجهة اي محاولات الغاء أو تطويق وكذلك اشارة الى أن الحزب التقدمي الاشتراكي لم يسقط من عقيدته قضية فلسطين ومواجهته لإسرائيل التي يضعهما حزب الله في سلم اهتمامته الى جانب مواضيع عديدة وأهداف مختلفة، لا سيما بكلامه عن اسقاط 17 ايار.
4- كان جنبلاط واضحا في قوله إنه حمل دم الأبرياء أي المسيحيين الذين استشهدوا يومذاك اثر اغتيال والده واصفا ذلك اليوم بالأسود ثم توقف امام مصالحة الجبل التي ارساها مع البطريرك الماروني يومذاك مار نصرالله بطرس صفير أي أن جنبلاط يخاطب الأحزاب المسيحية التي شاركت في هذه المصالحة بأن هذا هو وجهه الحقيقي تجاه الشريك المسيحي الذي ينقض عليه انتخابيا ويريد تحجيمه لحسابات لا يستفيد منها اي من الجانبين، ملمحا الى اي لقاءاته الثنائية مع رؤساء الأحزاب المسيحية لم تشكل هذه الواقع على ما اعتبر التيار الوطني الحر مؤخراً في بيانه المناطقي.