إنه مجرد اعتراف أن يعلن «المرشد» الإيراني علي خامنئي أن دولة الولي الفقيه لن تتفاوض مع الغرب على الانسحاب من المنطقة العربية لأنها تعتبرها منطقة إيرانية.. وحقيقة أن هذا الذي قاله «الولي الفقيه» ليس ادعاءً وأن الإيرانيين، منذ إطاحة النظام العراقي السابق، بعد حرب الثمانية أعوام، قد تمكنوا من الدخول و«التدخل» في أنسجة العديد من دول هذه المنطقة، وإذْ إن القائمين على هذا النظام الإيراني، السابقين واللاحقين، لا «يخجلون» من أن يقولوا إنهم يهيمنون على ست من دول العرب الرئيسية والأساسية.
والواضح لا بل المؤكد أن المقصود هنا هو: بلاد الرافدين وهي سوريا التي لا يستطيع نظامها أن ينكر أنه لا يسيطر على الجزء الذي يسيطر عليه الإيرانيون وأتباعهم ومن بينهم الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني الذي اعتبر حزبه حركة إرهابية والذي ما لبث حسن نصر الله أن أعلن أنه جزء من إيران وأنه قوة إيرانية تابعة للخميني وأنها بعد وفاته أصبحت تابعة للمرشد علي خامنئي، وأن هذا الحزب قد أعطي هذا الاسم استناداً إلى الآية القرآنية الكريمة القائلة: «ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون».
وإن المقصود بهذا كله بالإضافة إلى إيران وأتباعها هو الجزء من اليمن الذي يسيطر عليه «الحوثيون» وهو بالطبع حسن نصر الله وحزبه وضاحيته الجنوبية، وأيضاً فإن هناك من يضيف الدول العربية المتدثرة بعباءة الولي الفقيه والدول التي تنتظر تفوقاً إيرانياً في هذه المنطقة كلها، وهذا بالطبع لا يمكن لا الاستناد إليه ولا الاعتماد عليه ما دامت هذه المنطقة غير مستقرة وأن طهران، التي تبدو منتفخة حتى حدود الانفجار، هناك من يقول إن نظامها هذا الذي كانت بداياته في عام 1979 بات مزعزعاً وإن زوال دولة الولي الفقيه قد اقترب كثيراً وإن هذه المسألة متوقفة على «رحيل» المرشد الأعلى الذي يرى الإيرانيون، والبعض يقول لا بل إنهم يجمعون، على أن الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي لا يمكن أن يُقْبل كمرشد عام وأن المرشد الحالي سيكون آخر مرشد إيراني، وأن هذه الدولة التي من المعروف أنها قد دأبت على تبديل توجهاتها السياسية، كما يبدل قادتها ومعمموها عباءاتهم سوف تستبدل هذا الثوب الذي يراهن عليه بعض المراهنين وتعود إلى المرحلة الشاهنشاهية البهلوية وما سبقها من دول وأنظمة متلاحقة على مدى تاريخ طويل!!
إن هناك من يقول، وخصوصاً بالنسبة لكبار رموز المعارضة الإيرانية، إن هذا التمدد الاحتلالي الذي تقوم به دولة الولي الفقيه في المنطقة العربية، وخصوصاً العراق وسوريا واليمن ولبنان، هو من قبيل الهروب إلى الأمام، وهو من قبيل محاولات إقناع الشعب الإيراني المشار إليها آنفاً بأن «دولته» قوية ومقتدرة وأنها بعد السيطرة على كل هذه العواصم ستسيطر على عواصم جديدة أخرى، وأنها ستستعيد «أمجاد» فارس القديمة وأن الفرس عائدون لا محالة، وحقيقة أن هذا يقال يومياً وأنه بالطبع يثير ضحك الذين يعرفون حقائق الأمور ويعرفون أن «كلام الليل يمحوه النهار» ما دام هذا البلد قد مرت عليه أنظمة كثيرة وأن الشاه رضا بهلوي عندما أطاح نظام الأسرة «القاجارية» في عام 1925 كان يظن أن الدولة البهلوية باقية إلى الأبد وأنه لم يكن يتوقع إطلاقاً أن «شيخاً» معمماً بعمامة سوداء اسمه آية الله الخميني أمضى سنوات طويلة في ديار المنافي، إنْ في تركيا أولاً وإنْ في العراق وإنْ في فرنسا، سوف ينقلب عليه ويزيل نظامه، ويقيناً فإن هذا هو ما يفكر فيه حالياً المرشد الأعلى علي خامنئي الذي كما هو معروف قد رافق هذه التقلبات كلها التي مر بها هذا البلد إنْ في العهد الشاهنشاهي وإن قبله وإنْ بعده.
والمعروف أن علي خامنئي هذا الذي هو من عائلة «آذارية»، لا علاقة لها لا بالفرس ولا بالفارسية، من مواليد عام 1939 وأن أصله عربي يعود كما يؤكد هو وكما يزعم أتباعه إلى زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والله أعلم، وهذا يعني أن رحيله، والأعمار بيد الله، سيترك فراغاً كبيراً وأن الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي المتهم بارتكاب انتهاكات والبعض يقول لا بل جرائم دموية كثيرة لا يمكن أن يكون بديلاً لا لمن سبقه ولا لمن سبق الذي سبقه، أي آية الله الخميني وهذا حسب كل ما يقال في إيران، وخصوصاً في الحوزات العلمية، يعني أن هذا البلد الذي مر تاريخياً بتقلبات كثيرة سوف يغير مسيرته الحالية وأنه بانتظار تحولات كثيرة كتلك التحولات التي كان قد مر بها في مراحل التاريخ السابقة كلها وآخرها حلول «الخمينية» محل الشاهنشاهية… وهذه مسألة يقال إن عليها إجماعاً حتى بالنسبة للذين يعتبرون أنفسهم حماة هذا النظام وركائزه الرئيسية!!
وهنا فإنه غير صحيح أن التاريخ لا يعيد نفسه ولا يكررها وأنه قد ثبت مراراً وتكراراً، أنه، أي التاريخ، يعيد نفسه ولكن في أكثر الأحيان بصورة مشوهة وأنه قد أعاد نفسه إنْ في إيران وإنْ في دول أخرى، عربية وغير عربية، ليس مرة واحدة وإنما عشرات المرات وإلا ما معنى أن يمر العراق بكل هذه التقلبات المتلاحقة حتى وصل إلى هذا الذي وصل إليه.. وهذا ينطبق على سوريا وعلى بلدان كثيرة إنْ في هذه المنطقة، أي العالم العربي، أو في غيرها وأنْ تمر فلسطين بكل هذا الذي مرت به خلال حقب التاريخ المتعاقبة القريبة والبعيدة… وإلا ما معنى أن تكون هناك هذه الدولة الصهيونية التي هي نسخة «كربونية» عن المرحلة الصليبية… وما معنى أنْ يكون هناك هذا النظام الطائفي المسيطر على جزء من سوريا والذي هو نسخة عن أنظمة سابقة مماثلة… وهنا فإن هناك أمثلة كثيرة في هذا المجال وأنه لا ضرورة ليقال كل شيء وإذْ إنه ليس كل ما يُعْرف يقال!!
والمؤكد إن هذا الغرب (الانتهازي) ليس متردداً وفقط لا بل هو مرتاح لكل هذا الذي يجري في هذه المنطقة (العالم العربي) وحيث إن أخطر ما تتعرض له هذه المنطقة بمعظم دولها هو أن الإيرانيين (الفرس) داخلون في أنسجة العديد من الدول العربية وأن هذا الغرب، يريد أن يكون العرب على ما هم عليه الآن وحيث إنه عندما تصبح إسرائيل تسرح وتمرح في بعض دول هذه المنطقة وبالطول والعرض وهي تواصل رفضها لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني وتحتل هضبة الجولان السورية فإن هذا يعني أنه لا بد من مراجعة شاملة لكل شؤوننا العربية وأنه لا بد من وقفة مع الذات وأنه لا بد من المصارحة في كل شيء وبوضوح ومن دون تردد!!
وهكذا وعليه في النهاية فقد كان هناك أمل بأن يحل محل القرن العشرين قرنٌ جديدٌ عنوانه «الربيع العربي» وتتحقق فيه على الأقل إن ليس الوحدة التي بقي العرب يحلمون بها على مدى سنوات وحقب كثيرة وطويلة فبعض التعاون وعدم التناحر وبحيث ألا تقوم إيران بكل هذا الذي تقوم به وألا تستمر إسرائيل في احتلال فلسطين كلها… ومن البحر إلى النهر واحتلال هضبة الجولان السورية… وتنغيص حياة أهل الجنوب اللبناني بالغارات العسكرية اليومية المتلاحقة.