IMLebanon

خامنئي ضد خامنئي

الاتفاق النووي شكل المحور الرئيسي في التفاعلات الداخلية الايرانية، واحدى اهم آليات الفرز أو الانقسام بين التيارين السياسيين الرئيسيين في البلاد.

في الرحلة الى الاتفاق، خرج الشد والجذب بين المعتدلين والمحافظين الى العلن وكان واضحاً لا لبس فيه. الفريق الاول، دفع في اتجاهه وفرح لانجازه باعتباره مكسبا ينقذ ايران من محنتها الاقتصادية ويعيدها الى مكانتها العالمية ويصالحها مع المجتمع الدولي. الفريق الثاني، وضع العصي في دواليب المفاوضات خشية ان تمس نتائجها بسيادة الجمهورية الاسلامية واستقلالية قرارها و”نقائها” الثوري، لا بل ايضا، خشية ان يوسع خصومه مطالبهم بمزيد من الحريات السياسية ورفع الاقامة الجبرية عن المعارضين وتعديل ميزان القوى الداخلي لغير مصلحتهم.

المتفاؤلون بالاتفاق في الغرب، يأملون ان يؤدي رفع العقوبات الى ترجيح كفة المعتدلين والاصلاحيين، وتالياً اعادة النظر في السياسة الخارجية لايران القائمة على تصدير الثورة وملء الفراغات في الدول المجاورة عبر ركوب مراكب خلافاتها الداخلية واللعب على وتر الحساسيات الطائفية والاتنية. فعندما تحضر رؤوس الاموال تتغلب لغة المصالح على لغة العقائد وتتفوق البراغماتية على الواقعية. هكذا حصل في الاتحاد السوفياتي السابق، وهكذا يحصل في كوبا وفيتنام وخصوصا الصين حيث اجتاحت رأسمالية الدولة اشتراكيتها وديكتاتورية البروليتاريا.

المتشائمون يخشون ان يكون الاتفاق رخصة للمتشددين لمواصلة التصعيد في الاقليم تحت غطاء الاتفاق مع الدول الكبرى، وان تذهب وفرة العائدات المالية الى تصدير الثورة بدل سد الافواه الفارغة وتلبية طموحات الشباب الى التغيير، وان يستبدل النووي بالباليستي وتظل ايران هي هي ولكن مع اضافة مهمة هي الثروة والمال. أي من الجناحين سينتصر؟ ولمن ستكون الغلبة؟

روحاني رمز الاعتدال وبطل الاتفاق، درس في قم، ولغته العاقلة لا تنتقص من ايمانه بولاية الفقيه ونظام الجمهورية الاسلامية ، ولولا “رضا” الخامنئي وضوئه الاخضر لما صار رئيسا في انتخابات مدروسة بعناية في مواجهة أربعة مرشحين محافظين. وفي المقابل، ان قادة الحرس الثوري ولجنة الخارجية والامن في مجلس الشورى الذين يتصدرون الحملة ضد الاتفاق، هم أيضاً حماة الولاية والجمهورية، ولا يخطون خطوة خارج ارادة المرشد صاحب الكلمة الفصل في النظام.

خامنئي “المعتدل” هو نفسه سيواجه خاتمي “المحافظ”، وعندما تكون المصلحة الايرانية في البراغماتية والوفاء بحاجات الشعب الايراني يظهر وجه الاعتدال والتكيف مع بعض المتطلبات، وعندما تقتضي الضرورة العكس ترتسم ملامح التشدد من غير القطع مع الغرب. لكن لعبة تبديل الاقنعة ليست مرهونة فقط بحسابات الداخل الايراني، ذلك ان الاتفاق الموقع، دولي بامتياز وغايته ليست فقط ادماج ايران بالمجتمع الدولي انما فتح الابواب الايرانية المغلقة امام حركة المصالح الكبرى.