Site icon IMLebanon

خامنئي وتسييس محاربة الفساد في إيران

 

يحاول المرشد الإيرانى علي خامنئي التماهي مع استراتيجية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التعاطي مع العقوبات الأميركية وما استتبعته من تفاقم للأزمة الاقتصادية. غير أن خامنئي ذهب أبعد من أردوغان حين عمد إلى تسييس إجراءاته لمواجهة الأزمة وأضفى عليها سمتاً انتقائياً بحيث تستهدف فقط روحاني وحكومته ورموز التيار الإصلاحي، على نحو تجلى في ملامح شتى. فبادئ ذي بدء، ألقى خامنئي باللائمة على الحكومة الحالية التي اتهمها بالفشل وسوء الإدارة الاقتصادية، حتى تمت إقالة وزيري العمل علي ربيعي والاقتصاد والمال مسعود كرباسيان. ومن دون تردد، وافق خامنئي على طلب رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني بتشكيل محاكم خاصة لمحاكمة المتهمين في جرائم اقتصادية.

 

 

وبعيد أيام من مطالبة جريدة «كيهان» الموالية للمرشد، المسارعة بإعدام «المفسدين الاقتصاديين»، أوقف عشرات المشتبه بهم. وتساءلت صحيفة «اعتماد» المقربة من مهدي كروبي، الزعيم الإصلاحي الذي يقبع تحت الإقامة الجبرية منذ 2010، في شأن دلالات توقيت الإعلان عن إنشاء تلك المحاكم، وشككت في جدواها لجهة إنقاذ البلاد من أزمتها الراهنة، محذرة من تكرار مأساة «لجنة الموت» التي شكلها الخميني عام 1988 وأعدم بموجبها ما لا يقل عن 36 ألفاً من خصومه المحسوبين على منظمة «مجاهدين خلق» والأحزاب اليسارية. وفيما صادقَ البرلمان على تعديلات في قانون لمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، اعترض مجلس صيانة الدستور، الخاضع لهيمنة المحافظين، على أربعة بنود في تلك التعديلات، بحجة تعارضها مع الشرع، بينما يكمن السبب الحقيقي في تقييدها الدعم الذي يقدّمه نظام الملالي لميليشيات وتنظيمات إقليمية موالية له كـ «حزب الله « اللبناني والحوثيين فى اليمن. وتوقعت صحيفة «كيهان» الإصلاحية أن المحاكمات الثورية إذا تمت، لن تشمل الفاسدين المحسوبين على المحافظين والحرس الثوري ومكتب خامنئي.

 

وفي المقابل، كشف موقع «آمد نيوز» الإخباري الإيراني أن جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري بالتعاون مع السلطة القضائية، أعدّ ملفاً قضائياً لإلقاء القبض على النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري الذي يعتبر من المقربين لجناح هاشمي رفسنجاني والإصلاحيين، ومحاكمته بتهمة الفساد الاقتصادي، بغية تشويه سمعته وإبعاده سياسياً، لا سيما أنه، وبحسب الدستور الإيراني، سيتولى إدارة البلاد فترة انتقالية حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة حال إقالة روحاني. كما أكد الموقع ذاته أن مسعود خامنئي، شقيق المرشد الأعلى، ينسق مع محمود واعظي، المحسوب على المحافظين، والذى يشغل منصب رئيس مكتب روحاني حالياً، لإرغام جهانغيري على تقديم استقالته، وهو ما يحاول روحاني التصدي له. وبينما لا يزال الحرس الثوري المهيمن على الاقتصاد، يتمتع بالغطاء السياسي والحصانة القضائية بالتوازي مع الإعفاء من رسوم الضرائب والجمارك حتى في عهد روحاني الذي لم يكف عن مطالبة المرشد بالتحقيق في الأمر وتكليف عدد من كبار المسؤولين للإشراف على إعادة هيكلة النشاطات التجارية للحرس، جاءت ملاحقة وسائل الإعلام المقربة من المحافظين لأتباع روحاني المشتبه بتورطهم بالفساد، حيث تم اعتقال أحمد عراقجي، شقيق كبير المفاوضين النوويين ونائب وزير الخارجية، ونائب رئيس البنك المركزي لشؤون العملات الأجنبية، وهو الإجراء الذي يرمي إلى تضييق الخناق على الإصلاحيين توطئة لفرض توجهات الأصوليين، خصوصاً لجهة قضية التفاوض مع ترامب مجدداً لإدراك اتفاق نووب بديل. فبينما يتوخى روحاني ورجاله انتشال البلاد من دوامة العقوبات الأميركية عبر القبول بالتفاوض مع ترامب لإبرام ذلك الاتفاق البديل، يرفض المرشد والمحافظون هذا المنحى الذي يعتبرونه تنازلاً غير مقبول لإدارة أميركية لا يمكن الوثوق فيها، الأمر الذي دفع روحاني للمطالبة بإجراء استفتاء عام لتحديد الاستراتيجية المثلى للتعامل مع واشنطن في هذا المضمار، وهي المطالبة التى أعقبها قرار خامنئي تشكيل محاكم ثورية لمحاكمة الفاسدين، ما اعتبره مراقبون عقاباً لروحاني. ويلاحظ أن خامنئي انتقد المحافظين الذين دعوا إلى إقالة روحاني، محذراً إياهم من الوقوع في شرك العدو من دون قصد، وطالب بضرورة استمرار الحكومة الحالية لأداء مهماتها بفاعلية، كأنه يريد الاحتفاظ بكبش الفداء الذي ينوي تحميله مسؤولية كل إخفاق. ولا يبدو أن حملة خامنئي على الفساد ستؤتي أكلها بقدر ما يمكن أن تفاقم الحالة الثورية التي تعصف بالبلاد. فعلاوة على تسييسها وانتقائيتها نتيجة اقتصارها على استهداف الرئيس والحكومة والتيار الإصلاحي من دون المساس بقيادات المحافظين والحرس الثوري وأسرهم، استبق المرشد حملته تلك باعتراف خطير يبرز محنة نظام الملالي الثيوقراطي الذي اعتبره وكراً للفساد ومعقلاً للجرائم الاقتصادية، ونموذجاً لسوء الإدارة، إلى الحد الذي أفضى إلى انهيار الاقتصاد وإرباك البلاد وإنهاك العباد. وهو الأمر الذي من شأنه أن يطرح تساؤلات مثيرة في شأن صمت المرشد وحاشيته على ذلك الوضع المأسوي طيلة أربعة عقود، وتفانيهم في إجهاض مساعي الإصلاح، وإصرارهم على تصدير ثورة عجزت عن النهوض ببلدها الأم وهوت بشعبها إلى غياهب المجهول.