طوال ربع قرن، كان «مجلس الخبراء» ساكناً بلا دور. انتهى دوره بعد انتخاب علي خامنئي مرشداً للثورة. لم يكن مطروحاً، انتخاب مرشد جديد أو حتى التفكير بإقالة المرشد خامنئي، حتى يكون له دور. حتى عندما كان يجتمع، كان اجتماعه حدثاً بروتوكولياً، وعندما تجرى انتخابات أعضائه من بين رجال الدين كل ثماني سنوات، كان صوت أوراق الاقتراع يغرق في ضجيج صناديق اقتراع مجلس الشورى.
المجلس الجديد، كان وما زال حدثاً سياسياً كبيراً. لم يغرقه «تسونامي» الانتخابات التشريعية. بالعكس، كان التنافس على مقاعده الـ88 حاداً وواسعاً وعميقاً. «ترويكا» التغيير المشكّلة من هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني ومحمد خاتمي ومعهم حسن الخميني (الذي رُفض ترشيحه) حولت انتخابات «مجلس الخبراء« الى انتخابات مفصلية ومصيرية. خامنئي نفسه أعطى الانتخابات قوة دفع ضخمة عندما تحدث عن خلافته. كان المجلس الجديد هو الذي سينتخب الخليفة. خاضت «الترويكا» الانتخابات تحت شعار الفوز بـ«التكليف الشعبي« في مواجهة «التكليف الخامنئي« وكان لها ما أرادت. انتخب رفسنجاني الأول في طهران وحصل على أكثر من مليونين وثلاثمائة ألف صوت، وأسقط خصمه الأكبر مصباح يزدي ومن أنجحه خامنئي ضده محمد يزدي، بفارق يزيد على مليون صوت فانقلبت موازين القوى داخل مجلس الخبراء.
المرشد آية الله علي خامنئي ألقى خطاب الافتتاح. من أول الخطاب الى آخره، طغى ألم الهزيمة عليه والحقد على نتائجها. بدا خطاب خامنئي وداعياً خارجاً من الماضي مصرّاً على صياغة جمهورية المستقبل على قواعد الماضي دون النظر الى متغيرات الحاضر العميقة. حاول خامنئي أن يترك «وصيته» لأنه لن يكون موجوداً، فتبلور طلاقه مع المستقبل.
*بداية، أكد هزيمته عندما قال «ان عدم وجود مصباح يزدي ومحمد يزدي خسارة للمجلس». ويبدو أن خامنئي كان قد أصبح مقتنعاً ومؤيداً بأن يكون مصباح يزدي خليفته، والمعروف أن مصباح يزدي كما يطلق عليه الشباب الإيراني لقب «طالبان إيران» لشدة تشدده، كان الى سنوات مع «الامارة« ضد «الولاية«. ثم انقلب على موقفه واسترضى خامنئي علناً عندما قبَّل قدمه.
*دافع خامنئي عن «مجلس صيانة الدستور» وقال موجهاً كلامه الى رفسنجاني الذي رفض إبعاد المجلس لحسن الخميني: «أي تخريب أو تشويه لمجلس صيانة الدستور عمل غير إسلامي وغير قانوني وغير شرعي وغير ثوري».
*استخلص من إقبال المقترعين ونزاهة الانتخابات خلاصة تمنح انتخابات العام 2009 التي أنتجت الانتفاضة الخضراء بسبب إسقاط مير حسين موسوي وأنجح فيها أحمدي نجاد، «النزاهة والشرعية».
أما «الوصية» الخامنئية فقد بدت من زمن الثورة مع أن إيران دخلت مسار الدولة، فقال:
*»واجب المجلس أن يبقى ثورياً ويفكر بطريقة ثورية ويعمل بأسلوب ثوري». الطريف أن أصغر أعضاء المجلس تجاوز الستين في حين أن ستين في المئة من الشعب الإيراني دون الثلاثين.
لا شك أن الثورية التي يطالب بها خامنئي أعضاء «مجلس الخبراء« هي لكي ينتخبوا لاحقاً مرشداً ثورياً على وزنه وليس مرشداً من نتاج الانتخابات الأخيرة. وأتبع هذه الوصية بأن «يترك الخبراء المنتخبون كل الملاحظات والحالات والحياء والمجاملة والتفكير المصلحي في انتخاب القائد القادم». وهذا التحذير موجه للخبراء حتى لا يقعوا تحت تأثير رفسنجاني وروحاني، اللذين يملكان الأغلبية المطلقة (نحو 58 خبيراً من أصل 88 خبيراً منتخباً حسب كل الأرقام المتداولة).
وبعد أن حذّر خامنئي من «تغلغل الأعداء في المسؤولين، طالبهم بعدم إقامة العلاقات بأميركا وإسرائيل».
الرئيس حسن روحاني لم يصبر طويلا كعادته، فتولى في حالة نادرة الرد السريع على المرشد خامنئي مباشرة في خطاب انطلق فيه من الحاضر بكل متغيراته التي بدأت مع انتخابه رئيساً للجمهورية وتوقيع الاتفاق النووي، ليبني على مرتكزاته جمهورية المستقبل.
نقض روحاني بكلمات بسيطة «ثورية» خامنئي فقال «ما الجدوى من قول أنا ثوري؟ لماذا لا نسعى الى تحقيق راحة الناس والمجد لبلدنا«؟. وأضاف روحاني في هجوم حاد غير مسبوق متّهماً «معارضيه الثوريين« بأنهم «يبحثون عن مصالحهم الخاصة لا عن مصلحة الشعب… لقد قامت ثورتنا لتعزيز الأخلاق والوطنية والأخوة.. أنت ثوري حين يأمن الناس بكلامك وأفعالك».. ولم ينسَ احتكار المتشددين للإعلام خصوصاً انهم في خطابه المتلفز الأخير قطعوا البث في كل مرة ذكر فيه الرئيس الأسبق محمد خاتمي فقال «بعض الصحف مجرد منشورات للإهانة.. تفتح هذه الصحف لترى كيف أهانوك مرة تلوَ أخرى.. هل هذا هو الإسلام. هل هذا مجتمع مسلم؟«.
قلق المرشد علي خامنئي واضح من التشكل الجديد لمراكز القرار، زائد انعكاسات مرارات تعامله مع رفسنجاني على مساراته في انتخاب المرشد الخليفة سواء في شخصه أو غيره. هاشمي رفسنجاني الذي يوصف بأنه «حصن الثورة وثعلب الدولة»، يحضر نفسه لهذه المرحلة، لذلك قال في 14/12/2015: «المرشد يخص جميع المواطنين مسلمين وغير مسلمين، من اليسار واليمين ويجب اختيار مرجعية تحظى برضا الجميع».
رغم عطلة النوروز الطويلة (تبدأ في 20 آذار وتنتهي في الأسبوع الأول من نيسان) فإن حرب الخلافة بدأت علناً، والاختيار الأول لها سيكون عندما يتم انتخاب رئيس جديد لمجلس الخبراء لأن رئيسه محمد يزدي كان قد أسقطه رفسنجاني.