كثيرة هي علامات الاستفهام التي طرحتها زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، منفردا، والتي صحبه فيها قائد قوة “القدس” في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني قبل يومين.
يشبّه كثر من المراقبين الطريقة التي تمت فيها الزيارة بتلك التي قام بها الأسد إلى موسكو أواخر تشرين الأول 2015 حين حضر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق من دون سابق إنذار، واصطحب الأسد في طائرة شحن عسكرية إلى الكرملين، من دون أن يرافقه أي مسؤول سوري. حصل ذلك بعد أسابيع على بدء الحملة العسكرية الروسية في 31 أيلول (سبتمبر) من العام نفسه. ومهدت تلك الزيارة لإعلان الاتفاقات العسكرية الروسية السورية التي تعطي موسكو حق إنشاء قواعد عسكرية مع امتيازات قل نظيرها على الصعيد الدولي، شرعت القواعد التي كانت بدأت بإنشائها قبل أشهر، لعشرات السنين اللاحقة.
الزيارتان التاليتان للأسد كانتا إلى سوتشي وكان هدفهما سياسي أكثر منه عسكري، وتتعلقان بإطلاق موسكو مسار أستانا وسوتشي، في 2017 ، ولضمان انسجامه مع توجه الكرملين (تثبيت مناطق خفض التصعيد تمهيدا للتفاوض) في حينها أمام الشريكين التركي والإيراني بأنه هو من يملك ورقة القرار السوري. ثم في أيار(مايو) 2018 للتأكيد على إصرار فلاديمير بوتين على بقاء الأسد في السلطة في سياق مفاوضاته المستمرة مع واشنطن.
زيارة الأسد طهران تشبه زيارة الأسد الأولى في ظروفها، سواء في الشكل، أو في المضمون. فبالإضافة إلى مظاهر “الاستخفاف” الشهيرة بالأسد، والتي أشبعتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في حينها تمحيصا خلال زيارته موسكو الأولى، بدا واضحا أن التعجل الإيراني لاستقباله من قبل المرشد السيد علي خامنئي، ثم الرئيس حسن روحاني، قد أشبع تمحيصا من هذه الوسائل أيضا، (غياب العلم …)
سواء تقصد الجانب الإيراني تكرار المشهد الروسي لتحوّل الأسد إلى مجرد رمز للانصياع للقوة الروسية التي أنقذته، مثلما كان لطهران الدور الفاعل في إبقاء نظامه، أم لم يكن الأمر مخططا له، فإن وجه الشبه يتعلق بالحاجة العسكرية الإيرانية إلى تلك الزيارة المفاجئة.
الصورة التي جمعت خامنئي بالأسد، من المنطقي اعتبارها نقيض الصورة التي جمعت بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في موسكو، بعد 24 ساعة على زيارة الرئيس السوري.
بل أن الصورتين تعيدان إلى الواجهة تناقض المصالح الروسية – الإيرانية في الميدان السوري، تحت سقف “التحالف الاستراتيجي”. وفي مرحلة التنافس على من يملأ فراغ الانسحاب الأميركي المنتظر إتمامه أواخر شهر نيسان (أبريل) المقبل، لكل من اللاعبين الأربعة خططه، في ظل غموض قصد واشنطن من إبقاء 400 جندي على الحدود السورية العراقية، ومعها باريس ولندن. وإذا كانت أولوية نتانياهو الحؤول دون تثبيت قواعد إيرانية في بلاد الشام منتشرة بين الجنوب والوسط والغرب، حمل معه خرائطها إلى موسكو، فمن نافل القول أن تحتاط طهران لما يهيئه لها التساهل الروسي المفترض مع المصالح الأمنية الإسرائيلية الذي أنتج الضربات الجوية المتلاحقة لتلك القواعد. فلا واشنطن اكتفت ولا تل أبيب كذلك بإعادة الانتشار الإيراني في سورية والانسحابات التي نفذها “حزب الله” من بعض المناطق السورية، لا سيما منها المحاذية للحدود مع لبنان، أو في الداخل، قياسا للهدف الأميركي المعلن والذي هو بمثابة شرط على موسكو، أي انسحاب إيران الكامل من بلاد الشام.
زيارة نتانياهو إلى موسكو عسكرية. واستقدام الأسد إلى طهران عسكري الطابع. الحدثان يتبعان معارضة طهران في قمة سوتشي الأخيرة للتوافق الروسي التركي على قيام منطقة آمنة في الشمال، لأنقرة اليد الطولى فيها، مع تعزيز لوجودها في إدلب، بينما يُطلب إليها إخلاء الساحة، تاركة وراءها كل الاستثمارات التي وظفتها ببلايين الدولارات، (الخط المالي الائتماني لدمشق بلغ 6 بلايين دولار) من دون ضمان استرجاع الديون. ويحول تقدم المصالح الروسية دون إفادة طهران من الاتفاقات الاقتصادية مع الحكومة السورية، ولا تشرع اتفاقية التعاون العسكري التي عقدتها مع دمشق الصيف الماضي، وجود الحرس الثوري. فتعزيز مواقع إيران على الحدود مع إسرائيل، وإقامة قواعد عسكرية في مناطق حيث ابتكر العقل الإيراني مزارات دينية، قد يخالف النظرة الجيوسياسية لموسكو.
لطهران دين على الأسد، يوجب مراعاة مصالحها بالبقاء على أرضه، في أوج صراعها مع واشنطن. والأمر قد يقود إلى حرب، قد تشمل لبنان، يجمع كل فريق أوراقه، استعداداً لها، أو لتفاديها. وقد يرمز الإصرار على عودة محمد جواد ظريف عن استقالته، إلى الرغبة في إعادته إلى حلبة التفاوض لتجنبها.