هل من الممكن أن تفشل المفاوضات الأميركية الإيرانية في اللحظة الأخيرة، ولا يتم توقيع الاتفاق النووي؟ وماذا سيحدث في اليوم التالي للفشل؟ هل يتفق الطرفان على موعد جديد أم سيفشلان؟ وماذا سيحدث في فترة التمديد في زمن «داعش» والطموحات «الامبراطورية» الإيرانية؟
بداية لماذا صعّد مرشد إيران آية الله علي خامنئي بعد عشرين شهراً من المفاوضات ووضع خطوطاً حمراً، علماً أنّ مثل هذه الشروط التي أوردها لا يمكن أن يكون الجواب عليها نعم أو لا في الجلسات الأخيرة، إلاّ إذا كان رفضها أو قبولها قد وقع، علماً أنّه من المستحيل أن يكون المرشد غير مضطلع عليها في الحالتين؟ هل أراد خامنئي وهو يعلم حجم التنازلات التي قَبِلَ بها الوفد الإيراني، أن يبرئ نفسه ويعلّق المسؤولية على كاهل الرئيس حسن روحاني والوفد المفاوض لأسباب داخلية بحتة؟ وهل سيتحمّل المرشد والأصوليون تبعات الفشل شعبياً، علماً أنّ الجميع يأخذ في حساباته اقتراب موعد المحاسبة الشعبية في مطلع العام القادم مع الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء؟
منذ بداية المفاوضات في فيينا وعُمان ولوزان، اعتمد النظام الإيراني، خصوصاً الجناح الأصولي منه، خطاباً واحداً وهو أنّ واشنطن هي التي بحاجة للاتفاق النووي وليست إيران «القويّة والعظيمة والمقتدرة». لذلك من الصعب جداً تسويق الاتفاق المتضمن تنازلات حقيقية وكثيرة وطويلة الأجل لدى الأصوليين.
الرئيس حسن روحاني يمكنه أن يدافع عن نفسه في حالتَي التوقيع والفشل، بأنّه كان يعمل دائماً تحت إشراف المرشد ولم يتخطّاه في أي قرار، وهو صحيح مئة بالمئة، لذلك فإنّ ارتفاع منسوب الصعوبات الاقتصادية لن تقع مسؤوليتها عليه وعلى فريقه وإنّما على المرشد ومريديه وتحديداً الأصوليين.
في قلب تصعيد المرشد، محاولة لإرضاء «العسكر» في إيران لأنّ الاتفاق سيحدّ كثيراً من ميزانيتهم المفتوحة للمشروعَين النووي والصاروخي، وأيضاً لعدم فتح أسرار التسليح الصاروخي أمام المفتشين. إلى جانب ذلك كسب بعض التنازلات الأميركية في الملف السياسي، خصوصاً وأنّ استنزافها قد نجح عملياً وإن بشكل متفاوت على طول «الهلال الشيعي».
إيران كانت قبل عشرين شهراً أقوى وقادرة على رفع «أصبعها» في وجه واشنطن. حالياً تبدو إيران أضعف، وهي إن لم تخسر فإنّها لم تربح. أكثر من ذلك كما هو متوقع في حروب الاستنزاف، فإنّ خسائرها تتراكم وقدرتها على الرفض تضعف، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية. أي قراءة واقعية على طول «الهلال الشيعي»، تؤكد ذلك.
[ سوريا: استثمرت إيران الكثير من المال طوال ثلاثين سنة وأكثر ومنذ أربع سنوات بذلت من المال ومن الرجال أكثر، وهي تبدو حالياً أمام النزول في «المغطس» السوري بعد توقيع الاتفاق مع العراق وسوريا معاً. كل ما يخسره «الأسد» تخسره إيران، سواء من الأرض أو النفوذ. سقوط الأسد قائم أو تراجعه نحو «شريط» علوي قائم ولا شيء يضمن انتهاء «الحروب»، وبالتالي المزيد من الانزلاق والانخراط والإنفاق واستفزاز السُنَّة وتعميق الصراعات المذهبية في المنطقة.
[ لبنان: إيران قوية لأنّها أخذت موقع ودور سوريا فيه. لكن دمشق كانت «تحيك» يومياً القرارات من الرئاسة إلى الإدارات. أما إيران فإنّ كل قوّتها هي في وضع لبنان السياسي في «الثلاجة». وفي الختام ستكون مضطرة لإخراجه من «الثلاجة»، وأقصى ما تستطيع تحقيقه أخذ «ضمانات» تتعلق بمستقبل «حزب الله» خصوصاً إذا كانت خسارتها في دمشق استراتيجية.
[ العراق: كان يمكن لإيران أن تكون كلمتها واحدة ووحيدة، لكن لأنّها لم تخرج من مذهبيتها، فإنّها خسرت وأصبحت «شريكة» في «الثلث». الأسوأ أنّ الأميركيين عادوا وإيران مضطرة للتعاون معها. المعروف أنّ الأميركيين ليسوا «شركاء» متساهلين خصوصاً وأنّ كلمتهم مسموعة لدى جميع الشرائح العراقية وإن بنسب متفاوتة.
[ اليمن: وهي الكارثة، كان يمكن لإيران أن تكون نافِذَة في القرار اليمني عبر الحوثيين وصالح، لكنها أرادت الانفراد واستخدام اليمن «سكيناً» في وجه السعودية وباقي دول الخليج، وأن تمسك بباب المندب وتفرض شروطها حتى على واشنطن. بعد «عاصفة الحزم» إيران محاصرة. الانتصار مستحيل، والخسائر تتزايد. الخسارة الكبرى انّها غير قادرة على عقد اتفاقات تسمح لها بالتمدّد سياسياً ولا بالإمساك بباب المندب، والعالم لن يقبل بأن تهدد أمن السعودية والخليج، وهي مجبرة على الانخراط المادي مع الحوثيين وقبائل اليمن لتضمن ولاءهم لمواقفها وسياستها. المعروف أنّ التعامل المادي مع قبائل اليمن صعب ومكلف جداً.
تستطيع طهران أن تؤجّل توقيع الاتفاق النهائي عدّة أيام وحتى أسابيع، لكن الاتفاق يكون قبل نهاية هذا العام أو لا يكون. أمام الإدارة الأميركية استحقاقات كبيرة، خصوصاً وأنّ حملة الانتخابات الرئاسية بدأت بسلسلة الترشيح الحزبي. الاتفاق ورفع الحصار يكون الآن أو لا يكون، لذلك الممانعة الخامنئية «حراثة في الماء«… قبل التوقيع!