النظام السياسي الايراني حقق مراده في الانتخابات: نسبة مقترعين عالية، تنظيم هادئ بلا تشويش، نتائج أفرزت توازناً بين جناحي الجمهورية الاسلامية.
التقدم الذي أحرزه الاصلاحيون والمعتدلون في مجلس الشورى لم يفقد المحافظين مواقعهم النافذة لا في التشريع ولا في السلطة. جميع النواب الفائزين اخضعوا قبل ترشحهم لفحص الاهلية “الثورية” و”الدينية” في ممر التفتيش الالزامي للمحافظين في مجلس الرقابة على الدستور، وتاليا فإن خضوعهم للنظام مضمون وولاءهم له هو اولا. والحكومة الحالية التي يقودها أبرز رموزهم، حسن روحاني، لم ترفع المنسوب المتدني للحريات ولم تحسّن الوضع السيئ لحقوق الإنسان في البلاد ولم تتمكن من الإفراج عن زعماء “الحركة الخضراء” بعد مرور أكثر من أربع سنوات على وضعهم في الإقامة الجبرية. ودخول المزيد من النواب الاصلاحيين الى البرلمان لا يعني بالضرورة تعبيد الطريق للتغيير الفعلي. جرًب الاصلاحيون ذلك مرات عدة في عهد محمد خاتمي وارتدوا خائبين. أصلاً لم يكن البرلمان ساحة التأثير الحقيقية في المسارات السياسة الكبرى للبلاد. ولن يكون المجلس العاشر مختلفاً عن المجالس التي سبقته في هذا المجال. سقف التشريع محكوم بهيئات موازية لها الكلمة الفصل في سن القوانين. والمؤسستان الدينية والعسكرية الثورية التقليديتان لن تتساهلا في إقرار تشريعات من شأنها تهديد استقرار النظام وتماسكه. وكل هذه الهيئات والمؤسسات تنفذ ارادة النظام ورمزه الولي الفقيه.
عام 2013، لولا دعم المرشد لما انتخب المعتدل روحاني رئيساً من أجل دفع المفاوضات النووية ورفع العقوبات الغربية. وتقدم أنصار الرئيس في الانتخابات قد يكون أيضاً رسالة محسوبة إلى الغرب بمواصلة التعاون والانفتاح. لكن ذلك لا يقلل خوف القوى التقليدية في النظام من التبعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للتحرر الاقتصادي واقتحام الغرب الاسوار الايرانية عبر الاستثمارات والمصالح والمد الثقافي. هذه القوى تدرك انه عندما ينفتح المجتمع الثوري على صراع بين العقيدة والمصالح تكون الغلبة في النهاية للبراغماتيين على حساب الايديولوجيين.
رغبة القوة الصاعدة الجديدة في ايران وقدرتها على تغيير السياسات في الداخل والخارج، ستظلاّن محكومتين بتحديات كبيرة وستبقيان في المدى المنظور قوة ثانوية في ترتيب النظام الذي يتصدره رجال الدين المتشدّدون وحماته في الحرس الثوري، وعليها الخضوع الدائم لاختبار “فحص الدم الثوري” وطمأنة هؤلاء في ما يتعلق بمصالحهم. لكن وجودها في المشهد السياسي الايراني وحيويتها من شأنها ان تمنح المرشد ائتلافاً داخلياً يعينه في ضبط عملية الانفتاح الاقتصادي مع الغرب وجعل مقاساتها تتناسب والحاجات الأمنية والسياسية والاقتصادية للنظام السياسي. أما التغيير الجوهري فمسألة اخرى.