IMLebanon

خان شيخون ضحية دائمة على خارطة.. مجازر النظام

 

أمام واقع الموت الذي يُلاحق الشعب السوري في كل مكان من هذا العالم، وأمام مشاهد الأطفال الذين تتناثر أجسادهم بفعل «براميل» الحقد والإجرام، وأمام هشاشة المؤتمرات التي تُعقد باسم السوريين وإيقاف مصيدة قتلهم، يتأكد في كل يوم أن نظام بشّار الأسد لا يُمكن أن يكون جزءاً من الحل السياسي في سوريا ولا يصلح لأن يكون طرفاً مفاوضاً، وهو الذي تلطّخت يداه بدماء الأطفال والنساء وامتلأت زنازينه بآلاف المواطنين الأبرياء بينهم مسنّون تجاوزت أعمارهم الثمانين عاماً. واللافت في تدرّج رأس النظام في الإجرام من رتبة هاوٍ إلى رتبة «دكتور» في القتل والتدمير وارتكاب المجازر الجماعية، هو الصمت المُريب الذي يُمارسه حليفه «حزب الله» والذي يحوّله في مكان ما، إلى شريك إن عن طريق المشاركة الميدانية، أو من خلال غضّ الطرف عنها.

أمس الأول، عادت مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي إلى الواجهة مجدداً، بعدما استهدفتها طائرات النظام وحلفائه بغارات جوية راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين بينهم نساء وأطفال. وقد سبق لهذه المدينة ان تعرضت منذ أقل من اسبوع، لأكثر من 30 غارة جوية نتج عنها سقوط 19 شهيداً بينهم عائلة بأكملها، وأكثر من 20 جريحاً أظهرت صورهم من داخل المشافي، أن جراح معظمهم في حال الخطر. ولم يقف الموت عند خان شيخون، بل امتد ليطال عائلات بأكملها من بينها سبعة أطفال في قرية «محكان» الواقعة جنوب مدينة الميادين التابعة لمحافظة دير الزور، أثناء عبورهم نهر الفرات على متن عبارات، هرباً من قصف النظام وبطشه.

جرائم النظام السوري وغضّ طرف حلفائه عنها، وتحديداً «حزب الله»، لم تقتصر على عمليات الإبادة التي يشنها الطيران، أو قصف المدنيين بقنابل تحمل أنواعاً من مواد قاتلة بعضها جرثومي وبعضها الآخر كيماوي، بل تصل إلى حد قتل مساجين تحت التعذيب على الرغم من الدعوات التي يُطلقها نظام الأسد، إلى المسلحين من أجل تسليم أنفسهم وأسلحتهم، مع وعود بمعاملتهم بشكل لائق وإخضاعهم لمحاكمات عادلة. ومن هنا، ترتفع الأصوات المُعارضة لهذه العودة خصوصاً من اللاجئين خارج بلادهم والذين يؤكدون أن الموت والجوع والفقر خارج بلادهم، أرحم بملايين المرّات، من سجون الأسد وعمليات التعذيب التي تحصل بداخلها، عدا عن جبهات الموت المتقدمة التي يُرسلون اليها لاحقاً.

يؤكد السوريون أن تورّط «حزب الله» بالدم السوري إلى جانب الأسد، أمر ليس بجديد ولا يعود أيضاً إلى يوم إعلان السيد حسن نصرالله التدخل في العام 2013. النشطاء السوريون يعودون إلى أوائل العام 2011 ليؤكدوا أنهم في ذلك الحين، أصدروا بياناً اتهموا فيه الحزب بالمشاركة في أعمال القمع التي اندلعت في درعا، وتبع ذلك بيان مشابه لطلاب جامعة دمشق في نيسان 2011، ثم جاءت شهادة الجندي المنشق والفار إلى تركيا أحمد خلف، وتلت ذلك مجموعة بيانات موثقة بالصوت والصورة، تُظهر هذا التدخل بشكل واضح. على قاعدة التحالف هذه وعلى حلف المصالح الذي يجمعه فيه، لا يفوّت «حزب الله» اليوم، فرصة إلا ويستغلها من أجل تعويم النظام السوري مُجدداً ومحاولة منحه «شرعية» وجودية بين الدول علّه يتمكّن من نزع صفة الإجرام عنه وتلميع صورته أمام المُجتمع الدولي. ومن عمليات التسويق هذه، وجد الحزب في ملف النازحين السوريين في لبنان، فرصة هامّة لإبراز حليفه بمظهر الساعي الى احتضان شعبه والمدافع الأوحد عن قضيتهم وعودتهم إلى وطنهم.

سنوات ست مضت من عمر الحرب المجنونة في كافة جوانبها. الدماء ما زالت تنزف هناك. حلف لم يتعب بعد من ازهاق ارواح عناصره على جبهات الموت المتنقلة ولم يمل من وعود «النصر» المُتكرّرة ولا من إطلاق شعارات برّاقة تتبدّل بحسب الزمان والمكان. من موقعة إلى أخرى، ثمة تبريرات «فاشلة «حاضرة على الدوام لتحوّل لحظات الألم والوجع التي تعتصر النفوس، إلى حكايات «مجد» و«نضال»، هي غير ملموسة على أرض الواقع ولا في دنيا الخيال، ولا هي تروي غليل الظمأ إلى نظرة في عينَي شاب أغلقها على غفلة من الموت. ومن قال أن في سوريا يتبدل الشعور والقهر والألم؟ ومن قال أن الوجع يبقى محصوراً في جهة واحدة؟ فذاك الأب السوري الذي تمنّى لو أنه تمكّن من احتضان جثة طفله بعد أن تمزقت بفعل غارة للنظام على منزله في دمشق، هو خير دليل على أن الوجع الذي خلّفه النظام وحلفاؤه، يُمكن أن يكون عابراً للوطن الواحد، وعلى أن السوري كما اللبناني.

وللتذكير، أنه ومنذ بداية الحرب في سوريا في العام 2011 وحتّى اليوم، يُقدّر عدد الضحايا الذين سقطوا بـ 500 ألف مواطن تقريباً، وذلك بحسب بيانات صدرت عن جمعيات ومؤسسات رسميّة محلية ودولية. وقد لفتت مجموعة أوكسفورد للأبحاث منذ فترة، إلى أن من بين هذه الاعداد التي هي في حالة تزايد مستمر، هناك قرابة 12 ألف طفل قُتلوا مع حلول العام 2013. وهذا العدد بالطبع ليس نهائيّاً خصوصاً في ظل تزايد حالات القتل بشكل شبه يومي وسط غياب للاحصاءات الرسمية. كما أن هناك أكثر من 117 ألف حالة اعتقال أو اختفاء لأشخاص ما زالوا مجهولي المصير.