من جمعة الحريري الباريسي الى سبت الخزعلي «الكفركلي» كثيرة هي الخطوط التي تتجمع وتتشابك مدشنة مرحلة جديدة من دور لطالما لعبه لبنان كصندوقة بريد لايصال الرسائل المشفرة في كل الاتجاهات، ابطالها قيادات من فصائل الحشد الشعبي العراقي وجيش المهدي السابق.
واذا كان من الصعب حتى الساعة تفكيك لغز بيان «مجموعة اصدقاء» لبنان بنسخه الثلاث المختلفة، ومسؤولية الخارجية الفرنسية في اسقاط ذكر القرار الدولي 1559 من النسخة العربية، ما دفع بدولة كبرى الى التحرك بسرعة قبل ان تتلقف سفارة باريس في بيروت المبادرة وتعيد نشر البيان بالعربية وفقا لصيغته الاساسية، فان تفكيك شيفرة فيلم «عصائب اهل الحق» يبدو اكثر سهولة، رغم تعدد الاحتمالات والغيات .
فالموضوع الذي جاء لافتا في الزمان والمكان، والذي تزامن مع خطاب امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله والذي راعى فيه الى ابعد الحدود «شروط» التسوية الجديدة، وجه رسالة جدية الى اسرائيل، قد تكون حملت في جزء منها بعدا لبنانيا مضمورا، بان ما كان في سياق التنظير لجهة توحيد الجبهة من الجولان الى الناقورة، واستعداد محور الممانعة للقتال كجسم واحد، بات في طور التنفيذ العملي، بعد «الاستطلاع» الميداني للخزعلي، خصوصا ان المراقبة الاسرائيلية لم تستطع تحديد هوية الزائر. وبطبيعة الحال هي رد من حزب الله على رد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو وما ادلى به خلال مؤتمر في مؤتمر حول الديبلوماسية الرقمية منذ يومين.
صحيح ان ما حصل قد يشكل رسالة الى ما صدر عن اجتماع مجموعة اصدقاء لبنان في باريس ومساس بالقرار 1701، خصوصا ان ثمة من فيه امرا مقصودا واحراجا واضحا لرئيس الحكومة الذي تعهد امام المجتمع الدولي باسم الحكومة اللبنانية بتنفيذ ما اتفق عليه جديا. من هنا فان رد مكتب الحريري الذي جاء استباقا لاي تحرك من قبل القوات الدولية وقطعا للطريق على اي استغلال من قبل تل ابيب، شكل محاولة لتخطي الاحراج الذي احدثه نشر الشريط وانه قام بسلسلة من الاتصالات التي افضت الى ان الافرقاء جميعا لا زالوا على وعودهم فيما خص التسوية والنأي بالنفس، وان ما حصل لا علاقة له بأي خرق او رسالة على هذا الصعيد، بحسب مصادر متابعة.
اوساط مقرّبة من محور المقاومة رأت ان جولة المسؤول العراقي كانت داخل الحدود السورية وليس في الاراضي اللبنانية كما يدعون، مؤكدة ان حزب الله مُلتزم بسياسة النأي بالنفس التي تُشكّل جوهر عمل الحكومة الحالية، رافضة الربط بين الزيارات وبين ادراج القرار 1559في البيان الختامي الذي صدر عن اجتماع مجموعة الدعم الدولية على اعتبار ان موضوع المقاومة لا يندرج في اطار 1559 المعروف الحيثيات.
واشارت الاوساط الى ان الزيارة تأتي في اطارها وتوقيتها الطبيعي، بعد التحولات الدراماتيكية التي خلفها قرار الرئيس الأميركي، معتبرة انه اذا كان هناك من تواطؤ بين واشنطن وبعض العواصم العربية، فان ذلك لن يثني محور المقاومة عن المواجهة بكل السبل المتاحة، خصوصا ان المقصود هو القضية الام حيث التنازل خيانة والمساومة ممنوعة، مستدركة ان خيار النأي بالنفس الذي وافقت عليه جميع الاطراف اللبنانية لا يمكن ان يكون باي شكل من الاشكال مطبقا في القضايا القومية التي يفترض ان يسبق العرب ايران للدفاع عنها.
واكدت الاوساط ان الخزعلي دخل الاراضي اللبنانية بطريقة شرعية وبجواز سفر يحمل اسمه وصورته وفقا للاجراءات القانونية المعتمدة مع كل زائر، متابعة بان زيارة بوابة فاطمة اصبحت محجة للكثيرين من السواح من عرب واجانب، اما لباسه العسكري فهو يحمل رسالة تضامن الى الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت انذار وتحذير للعدو، وبالتالي لا علاقة لها بالتسويات الداخلية والصراعات المحليةمعتبرة انه اذا صحت المواقف السعودية وصدقت نوايا الرياض في هذا الملف الذي يعلو فوق الخلافات، فان ما جرى يصب في مصلحة القضية وليس ضدها، داعية اصحاب الرؤوس الحامية في الداخل الى عدم الهلع والخوف، فحزب الله ليس بحاجة الى اي دعم من الخارج لخوضه الحرب ضد اسرائيل والانتصار، رغم تقديره لحماسة المجاهدين اينما كانوا، وتاريخه يشهد على ذلك.
بالتاكيد ان الحرب التي اعلنتها واشنطن مواربة بحسب الاوساط تشهد في المقابل ردا من قبل حزب الله على اكثر من صعيد وجبهة، بحسب مصادر متابعة، والتي رأت ان حارة حريك نجحت في «سحب» الرئيس سعد الحريري «لصفها» رغم ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو من خاض المعركة عمليا وشكل رأس حربة الهجوم، الا ان المنتصر عمليا كان حزب الله، وثانيا في «قبة باط» الحزب للجولة التي قام بها قائد «عصائب اهل الحق» العراقية على طول الجبهة الجنوبية بلباسه العسكري، والتي اشارت اوساط متابعة الى انها مرتبطة بحسابات اقليمية وجاءت قبل صدور بيان التسوية بصيغته الثانية، اذ تعود الى 3/12/2017 بحسب ما تؤرخه الكتابات على جدار فاطمة الاسمنتي، علما ان الخزعلي كان سبق واعلن انه وجماعته سينضمون الى القتال الى جانب حزب الله في حال اندلاع اي حرب مع اسرائيل.
وقبل ان يجف حبر «الاستنابة» الحكومية لرئيس الحكومة بحق الشيخ قيس الخزعلي امين عام فصيل «عصائب اهل الحق»، انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر عناصر عراقية مسلحة، عرفت عن نفسها بانها تنتمي الى تنظيم «سرايا السلام» العراقية، التابعة لجيش المهدي سابقا بقيادة مقتدى الصدر، الموجودة منذ فترة في لبنان وآخذة بالتمدد بحسب احد المقاتلين، منتشرة في بلدة كفرحمام في العرقوب عند القطاع الشرقي المطل على الجليل الاعلى، دون ان تتم معرفة زمانه او مكانه، في الوقت الذي تمكنت فيه الاجهزة الامنية من رصد كتابات باسم التنظيم في بلدة كفرحمام الواقعة في القطاع الشرقي والمطلة على الجليل الاعلى، ما اعاد طرح الكثير من الاسئلة حول القطبة المخفية وراء تلك «الظواهر» والمدى الذي قد تبلغه.