IMLebanon

الخنشارة أقوى من «ورقة النوايا»

كان من المفترض أن يعكس قضاء المتن الشمالي صورة التحالف القواتي ــــ العوني الجميلة، لا لشيء سوى لأن مسقط رأس عرابيها النائب ابراهيم كنعان وملحم رياشي فيه. غير أن صورة الواقع كانت مغايرة. سقط التحالف بين كنعان ورياشي في صناديق إحدى البلدات الصغيرة. فيما يتجول النائب ميشال المر مزهواً بفوزه المسبق بمعظم بلدات المتن الرئيسية، والأهم رئاسة الاتحاد

لا شيء يثبت مقولة أن الانتخابات البلدية تفرق بين الإخوة أكثر من عرابَي التوافق العوني ــ القواتي، النائب ابراهيم كنعان ومسؤول التواصل في القوات اللبنانية ملحم رياشي. فبعدما كان الرجلان يصولان ويجولان في المناطق مبشرين بعلاقة الحبّ المتينة، سقطت علاقتهما الشخصية في صندوق انتخابات بلدة الخنشارة في المتن الشمالي.

ومن استطاع جمع النائب ميشال عون برئيس حزب القوات سمير جعجع، فشل في جمع عونيي الخنشارة وقواتييها، وهنا بدأت المشكلات. رياشي يبلغ جعجع بأهمية البلدة التي هي مسقط رأسه له حتى لا يعطى القواتيون حرية الاختيار، ثم يوصل الرسالة نفسها الى ميشال عون بحضور كنعان حتى يدعم العونيون لائحته. وهو ما لم يحصل لأن كنعان لم يستطع «المونة» على تيار الخنشارة الذي وقف في صفّ المرشح عن المقعد الكاثوليكي في التيار الوطني الحر جورج عبود المؤيد لرئيس البلدية الحالي أنيس سماحة. وعليه، انكسر الدف وتفرّق الحليفان. وأمس كان يمكن رصد الاحتقان بين حزبيي الفريقين وكأن التاريخ لم يتقدم منذ ما قبل إعلان النيات بين معراب والرابية.

وفي أنطلياس، سرت طوال يوم أمس «خبريات» عن مدة «هشاشة التحالف العوني القواتي» رغم اجتماعهما على لائحة واحدة برئاسة إيلي صافي. فبعد إعلان حزب الطاشناق وقوفه على الحياد عبر توزيع أصواته بالتوازي بين لائحة صافي ولائحة رئيس البلدية الحالي المقرب من النائب ميشال المر، إيلي أبو جودة، بدأ التيار، على ذمة ما أشيع أمس، بتشطيب القوات لضمان خرقه بأصوات الطاشناق. وفي جلّ الديب، رافق انقسام التيار ما بين لائحتين، أولى يدعمها النائب نبيل نقولا وثانية تدعمها هيئة البلدة وهيئة القضاء، انقسام قواتي أيضاً. فيما شهدت بلدة ضبية تنافساً شرساً بين هيئة التيار من جهة، ومجموعة «عونيون» من جهة ثانية، وحزب القوات من جهة ثالثة! أما بسكنتا، فكانت ساحة محتدمة ما بين التيار المتحالف مع القومي في وجه كتائب البلدة وقواتييها. ما سبق يلخّص المشهد المتني ومدى انسجامه مع تحالف الرابية ــ معراب في قضاء كان يفترض أن يكون مثالاً يحتذى به لباقي الأقضية، على اعتبار أنه مسقط رأس عرّابَيه الرئيسيين، كنعان ورياشي. ولا نفوذ لهما أكبر من النفوذ السياسي الذي يحظيان به في المتن الشمالي.

نقولا يستفز العونيين

على المقلب الآخر، حضر النائب ميشال المر شخصياً الى ثلاث بلدات في ساحل المتن (جل الديب، أنطلياس، ضبية) ولو لم يكن محمولاً على الأكتاف بعد إيعازه لمناصريه الإقلاع عن هذا التقليد وتركه لبلدة بتغرين فقط. وهي المرة الأولى التي يجول فيها المر على أقلام الاقتراع، إذ جرت العادة، في كل الانتخابات السابقة، أن يتابع مجريات النهار من مكتبه في عمارة شلهوب في الزلقا. وجولته أمس تحمل دلالات كبيرة من ناحية أهمية هذه البلدات وريّاسها له، وهي في الواقع بلدات الساحل التي لم يتمكن من الفوز بها بالتزكية كما في الدكوانة والجديدة والزلقا. البداية من جل الديب، حيث وصل المر الى ثانوية البلدة مزهواً بنفسه يعطي التصاريح الصحافية المبالغة في التفاؤل والمستفزة لخصومه العونيين، مشيراً الى تقدم اللوائح التي يدعمها (لائحة ريمون عطية في جل الديب) وحتمية فوزه باتحاد بلديات المتن. والاستفزاز مشروع في الانتخابات بالطبع، إلا أن استفزاز النائب نبيل نقولا لتيار بلدته فاق كل التوقعات أولاً لدعمه لائحة عطية في وجه اللائحة التي شكلتها هيئة تيار جل الديب. ثانياً، والأهم، لأن نقولا لم يكتف بالاقتراع ودعم اللائحة المنافسة، بل تعمّد النزول الى قلم الاقتراع مرة ثانية لاستقبال المر واحتضانه، والتصفيق بحرارة له قبل أخذ صورة تذكارية معه واللائحة، علماً بأن تيار البلدة يخوض منذ أعوام معارك بلدية مع سياسة المر، أكان داخل المجلس البلدي السابق حيث استطاع خرق لائحة رئيس البلدية السابق إدوار أبو جودة أم حالياً ضد ريمون عطية الذي يمثل نقطة التقاء المصالح بين رجل الأعمال جوزيف الملاح والنائب المر. ومن جل الديب الى أنطلياس حيث يخوض رجل «مرّيّ» آخر معركة ضد التيار، إنما من دون انقسام العونيين. لضبية ورئيسها قبلان الأشقر معزة خاصة في قلب «أبو الياس»، وكان من الطبيعي أن تحظى باهتمامه الخاص نظراً الى أن الأشقر يترأس البلدية منذ أكثر من 50 عاماً وهو صديق مقرب للمر… ولكل الأحزاب الأخرى. أما اللافت هنا، فعدم زيارة نائب بتغرين لبلدة سن الفيل ومؤاثرته عدم إعلان موقف علني من اللائحتين المتنافستين، الأولى برئاسة رئيس البلدية الحالي الكتائبي نبيل كحالة المتحالف مع قسم من التيار الوطني الحر (فازت اللائحة بكاملها أمس)، والثانية برئاسة جوزيف شاوول العوني وهيئة التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية. والمر كان قد دعم كحالة في عام 2010 في وجه مرشح التيار آنذاك، قبل أن يترشح كحالة الى رئاسة الاتحاد ضد ابنته ميرنا المر، وهو ما سبب توتراً في العلاقة تنفيها مصادر كحالة.

«جغل» القرنة

للمر أيضاً رجاله الثابتون بعيداً عن ساحل المتن. في بصاليم ــ مزهر والمجذوب، يتابع المرشح الى رئاسة البلدية نسيم بوحبيب الانتخابات من منزله حيث تعمل الماكينة الانتخابية في إحدى الغرف. يحرص على أن ترتدي العائلة بأكملها اسم لائحته المشتركة مع جورج مزهر «للكلّ»، وبرأيه «الإنماء مسار وليس شعار». والأمر سيّان بالنسبة لرئيس بلدية بيت مري أنطوان مارون الذي يجلس في منزله محاطاً بماكينته. لا تبدو عليه الحماسة رغم خوضه معركة حادة ضد الأحزاب مجتمعة، بعكس شقيقته التي تتململ من عدم قدرتها على التصويت له كونها متزوجة من خارج البلدة. وفي قرنة شهوان «جغل» يدعى جان بيار جبارة، وصل الى مبنى البلدية صباحاً على دراجته النارية حيث يقترع الناخبون. يصعب فعلياً عند دخول الصالة التي يجتمع فيها الريّس مع مندوبيه، التعرف إليه لسببين: أولاً لأن «بروفيل» جبارة مختلف تماماً عن الصورة النمطية لريّاس المر، فالأخير شاب عمره من عمر المندوبين، يتفوق عليهم بالمظهر «الهيبي» من الشعر الطويل المربوط الى «الجينز» الضيق. ثانياً، صداقته الجلية مع أعضاء اللائحة والمندوبين وحرصه على إطعامهم بيديه.

في المحصلة، لا يمكن الخروج من قضاء المتن إلا بخلاصة واحدة تتمثل بإهداء العونيين ونواب التيار الوطني الحر بالأخص، زعامة المتن الشمالي البلدية وزعامة الاتحاد مجدداً الى المر على طبق من ذهب. وذلك عبر وسيلتين: الأولى، انقسام التيار على نفسه وتأييد بعضه للوائح المر، والثانية عبر المساهمة في فوزه بالتزكية أو شبه التزكية في بلدات بالغة الأهمية كالمنصورية والزلقا والجديدة. ويمكن طرح الكثير من علامات الاستفهام حول «مبالغة» الرابية في توزيع الهدايا المجانية على أبو الياس، ما يجعلها شريكاً رئيسياً لريّاس المر ولكن «من تحت الطاولة»، أو أن الأمر يتعدى ذلك إلى الانتخابات النيابية المقبلة، وحتى الانتخابات الرئاسية.