لا يمكن للبنان أن يعيش في «جنّة أمنية» والمحيط متفجّر
خاطفو العسكريين غير جاهزين للتفاوض الجدّي
جديد قضيّة العسكريين اللبنانيين المخطوفين «جواب ما» طلبه المفاوض اللبناني عبر قناة «المندوب القطري»، فذهب الأخير الى الدوحة منذ نحو 15 يوما ولم يعد بجواب بعد، مما يعدّ مؤشرا على عدم جهوزيّة الخاطفين على التفاوض الجدّي بعد.
تحفل كواليس التفاوض حول قضية العسكريين بتفاصيل وأخبار متضاربة.
«سيناريوهات» كثيرة ومتشابكة، بعضها يقارب الواقع من بعيد ومعظمها غير دقيق، لكنّ للحقيقة وجها واحدا: ثمّة عاملان اثنان يؤثران سلبا على عملية التفاوض الجارية: أولهما، طفرة «طبّاخين» يتبرعون بالتوسّط ما ينذر بإحراق «الطبخة». وثانيهما التسليط الإعلامي على قضيّة تفاوض يستثمر الخاطفون فيها كلّ ردّة فعل، ما يفرض أن تكون مطبقة السريّة، وهذا ما يؤثّر سلبا على العسكريين أنفسهم الذين تزيد فرص تعرضهم للانتقام من خاطفيهم عند كلّ كلمة أو عبارة أو حركة أو موقف لا يعجب هؤلاء.
بالإضافة الى عامل ثالث موضوعي يتمثّل بطبيعة الجهتين الخاطفتين، أي «داعش» و«جبهة النصرة»، غير المنسجمتين والتي تزايد الواحدة منهما على الأخرى مما يشرّع «البازار» المفتوح على احتمالات غير واضحة المعالم، باستثناء إجماع على المرور «بصندوق البريد القطري».
هؤلاء الخاطفون متمترسون في الجرود غير آبهين بطول أمد التفاوض ولا ببرد الشتاء القارس ولا يخافون الجوع لأنّ مؤونتهم متوافرة، وهذه صورة معاكسة لما يتمّ تظهيره إعلاميا، فالخاطفون يقطنون الجبال لكنّهم يتمتعون بالتموين وبالتدفئة ويستخدمون الإنترنت ويحاولون فرض شروطهم المجمّدة حاليا عند إطلاق مساجين إسلاميين من سجن رومية وسجينات في السجون السورية من دون أنّ يرفّ لهم جفن، بعدما طوّق الوعي اللبناني طموحهم بزرع شقاق سنّي ـ شيعي.
المندوب القطري
والحقيقة التي لا يحبّ سماعها اللبنانيون أيضا هي أنّ الخاطفين لم يطلبوا يوما ممرّا آمنا ولا إجراءات تخفيفية لوصول الموادّ الغذائية وسواها إليهم، لأنها موجودة.
ويتمتع هؤلاء أيضا بترف رفض الطلبات المنقولة إليهم من المفاوض اللبناني ويناورون ببرودة أعصاب: أشاعوا لفترة طويلة أنّهم في انتظار المندوب القطري، ما حدا بمدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم الى طلب التواصل المباشر مع هؤلاء وهم ينتمون الى «جبهة النّصرة»، هكذا كان أول اتصال رسمي بين ابراهيم وهؤلاء منذ قرابة الشهر، لكنّ هؤلاء أرادوا نقل طلباتهم عبر ما بات يسمّى «المندوب القطري» علما بأنّ الأخير لا صلاحية له سوى نقل الرسائل ولا علاقة له بالتفاوض الجاري.
هذا الموقف يشي بأنّ هؤلاء الخاطفين غير مهيّئين بعد لإعطاء إجابات شافية عن مطالب المفاوض اللبناني وأسئلته، وزادت حوادث القلمون الأخيرة من صعوبة الملف.
فسحة أمل
بالرغم من هذه العقد، ثمّة إيجابيّات يمكن رصدها في هذا المسلسل الإنساني المستمرّ منذ آب الفائت تتمثل بتوقف تصفية العسكريين من دون التزام واضح من خاطفيهم، «لم يعطوا كلمة في هذا الموضوع»، كما أنّ المفاوض اللبناني نجح في تحديد إطار للتفاوض لا مجال للخوض فيه إعلاميا صونا للسرية المطلوبة. أما الخيارات الثلاثة التي كثر الحديث عنها أخيرا وأكثرها شيوعا التبادل مع سجناء وسجينات في السجون السورية فإنّه استبدل «باختراع لبناني».
أما الجانب التركي فلا يقوم بأية حركة مساعدة لغاية اليوم، علما بأنّ بعض الأوساط تؤكد بأن الأتراك قادرين على التواصل الأكيد مع «داعش»، وخصوصا في الآونة الأخيرة.
بالرّغم من المعوّقات ثمّة فسحة أمل بالوصول الى نتيجة عبر التفاوض المباشر، وهو أسلم الطرق لتحرير العسكريين.
سقوط «الإمارة»
بات الوضع الأمني أفضل في لبنان بعد ضرب نواة «مشروع الإمارة» الذي كان معدّا لطرابلس، لكنّ ذلك لا ينفي وجود خلايا نائمة تحتّم استكمال الإنجاز الأمني المحقق والذي يتوّج بتوقيف «رمزي» هذا المشروع أي أسامة منصور وشادي المولوي المرتبطين مباشرة بـ«جبهة النّصرة» وبما يدور على جبهة القلمون السورية، بحسب ما يكشفه مصدر معني، ما ينفي بعض التصورات بأن هذين الشخصين يتصرفان بدوافع شخصية، علما بأنّ المعلومات الأمنية المتوافرة تشير الى أنّ الأخيرين قد خرجا من «التبانة»، بفعل الغطاء الذي يتمتعان به من «رجال دين ودنيا».
هذا «القطوع» الذي مرّ على لبنان من جبهته الشماليّة، لا يعني أنّ الأمن لن يكون ملفّا طويلا، بحسب مصدر أمني يشير الى أنّه «لا يمكن للبنان أنّ يعيش في جنّة وسط ما يحصل في المحيط، وهذا ما لا يشكّل نذيرا حسنا».
فعرسال تبقى «جرحا مفتوحا» يتوخّى الاستنزاف على الضفتين السورية واللبنانية، فلم يقفله المستفيدون؟ أما «الخلايا النائمة» فمنتشرة في المناطق اللبنانية كافّة، لكنّها لن تكون فعّالة ما دام الجيش اللبناني قادرا على خرقها. في مخيّم «عين الحلوة» عناصر أمنيّة خطرة أيضا لكنّ ثمّة رهاناً جدّياً وباستناد واقعي على الوعي الفلسطيني الذي يرفض قطعا تحويل المخيمات الى قاعدة لأيّ مشروع مشبوه.
أما العاصمة بيروت فهي مضبوطة كليا. وأي «سيناريو» لبلبلة أمنية يعني وجود قرار لبناني داخلي بذلك وهو غير موجود، أمّا إذا وجد فإنّ الوضع في البلد ينقلب رأسا على عقب وهذا أمر مستبعد، وفقاً للمصدر الواسع الإطلاع.
ملف النازحين
يبقى ملف النازحين السوريين الذين تثبت الوقائع أنّ عددا غير قليل منهم ضالع في مخططات أمنية إرهابية. وبالرّغم من إحصائيات تتسلّح بها بعض الجهات الديبلوماسية الغربية لإبعاد الشبهة الأمنية عن النازحين وتقول بوجود 78 في المئة من هؤلاء من النساء والأطفال، فإنّ أعداد المساجين من السوريين التي تتعدّى بأشواط نظرائهم اللبنانيين، تشي بأنّ «النازحين ليسوا ملائكة وأنّ مشاكل أمنيّة جمّة تتأتّى منهم». علما بأنّ عدد النازحين السوريين لم ينخفض بل تمّ تجميده بفعل الإجراءات المتخذة، في حين عاد حوالي الـ50 ألف نازح فلسطيني الى سوريا.
المعالجة الأمنية لهؤلاء قائمة، منها في الداخل اللبناني ومنها عبر الحدود اللبنانية السورية حيث يدقق الأمن العام اللبناني بمن يطلبون الدخول الى لبنان، وثمّة إجراءات مجددة ستبدأ عند الحدود منذ يوم الإثنين المقبل وبالطرق القانونية، أما بعض التجاوزات التي حصلت فإنّها استوجبت إجراءات صارمة اتّخذها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم قضت بفصل عشرات العسكريين من الأمن العام بسبب مخالفات ارتكبوها.
التوافق الداخلي غير موجود
هذه الاستحقاقات الأمنية مرشحة للبقاء في المدى المنظور، خصوصا أنّ الأزمة السياسية مرشحة بدورها للاستمرار لأنّها مرتبطة بالمحادثات الجارية حول الملفّ النووي الإيراني حيث الاشتباك لا يزال قائما بفعل اختلاف الأولويات بين الأميركيين الذين يطالبون إيران برزمة حلّ كاملة في المنطقة لرفع العقوبات، وبين الإيرانيين الذين يشترطون رفع العقوبات في مقابل أي ّ تنازل عتيد في الملفّ النووي. وبالتالي فإن تاريخ 24 الجاري ليس حاسما بالملف اللبناني الذي يعتبر الفصل الأخير من الملفات الإقليمية الموجودة، بحسب المصدر الرفيع الذي يرى بأنّ التوافق الداخلي غير موجود، ما يصعّب إنتاج رئيس للجمهورية، وهو ما يعاكس تماما بعض الأجواء الإيجابية التي يتمّ ضخّها في الآونة الأخيرة.