حياتهم معلّقة بأنبوب غسل الكلى، من دونه الموت يطرق أبوابهم. لن يقوى مرضى غسيل الكلى على تحمّل كلفة أدوية العلاج، فقد باتت أغلى ممّا يتوقّعون، هذا إن وجدت، لأن معظمها مقطوع أو مفقود، والبديل لا يعطي النتيجة المرجوّة.
ساعات قاسية يمضيها مرضى غسيل الكلى داخل قسم الغسيل في مستشفى نبيه بري الجامعي، صحيح أنّ الجلسات ما زالت حتى الساعة مجّانية على حساب وزارة الصحة، غير أنّ كلفة العلاج والنقل هي الأزمة بحد ذاتها، معظم مرضى الكلى لا يقوون على العمل في وظيفتين لتلبية إحتياجاتهم اليوم، بالكاد يستطيعون تحمّل وزر وظيفة واحدة “عالخفيف”، وهو ما يجعلهم عاجزين عن تغطية كلفة علاجهم الكبيرة.
أبو حسين، سائق تاكسي سابق، بدأ غسل الكلى قبل أشهر قليلة، توقّف عن العمل منذ سنة مع تراجع النقل وارتفاع كلفة البنزين، ما أبقاه في منزله، وزاد وضعه سوءاً مع بدء غسل الكلى وصعوبة تأمين الأدوية، “فالضمان لا يغطّي الفرق”، ما زال يدفع ثمن الدواء على سعر 1500 ليرة، فيما وصل سعر أرخص دواء الى ٧٠٠ الف ليرة، أما الضمان فيغطي ٢٠ الف ليرة فقط.
3 مرّات يقصد أبو حسين المستشفى لغسل الكلى، الجلسة ما زالت مجّانية، غير أنّ كلفة الوصول الى المستشفى هي المرتفعة، فهو يقطن في عبا ويضطر لدفع بدل نقل كلّ جلسة 200 الف ليرة أي حوالى 600 الف ليرة أسبوعياً. تؤكد زوجته أنّ وضعه النفسي في الحضيض، “فالوضع المادي صعب، وأحياناً لا نملك ثمن الدواء، فضلاً عن بحثنا المضني في الصيدليات من دون جدوى”. داخل غرفة غسل الكلى ينام عشرة مرضى، هو العدد الاجمالي لكلّ جلسة، من أصل 55 مريضاً يخضعون للغسل، على ما يقول رئيس القسم الدكتور حسن بخدود، يعرض لمعاناة المرضى التي تتمثّل بكلفة الدواء والنقل، ويؤكّد أنّ المستشفى ما زال حتى الساعة يوفّر كلّ المستلزمات المطلوبة، ويشتريها أحياناً من السوق السوداء، بحيث تصل كلفة كل جلسة الى 40 دولاراً، لا يتكبّد منها المريض شيئاً، ولكن الخشية أن لا تتوفر المستلزمات لاحقاً لا سيّما الانابيب والفلاتر، حينها يكون مريض الكلى في خطر.
تقطع أم علي رضا وزوجها مسافة 8 كلم يومياً ليصلا الى قسم غسل الكلى في مستشفى نبيه برى الجامعي، فزوجها يخضع للغسل 3 مرات إسبوعياً، ما يكبّدها مبالغ طائلة بدل نقل لا قدرة لها على دفعها، “فالوضع صعب للغاية، وإن لم يغسل زوجي يموت. نصل أحياناً الى صيدليات بيروت بحثاً عن الدواء وقد بات سعره أغلى من الذهب وخارج عن قدرتنا، لم يعد أمامنا سوى المستوصفات، فالدولة لم تترك لنا خيارات أخرى، حتى مريض الكلى المعلّقة حياته بالأنابيب تعاقبه الدولة بدوائه، لا يكفيه أنّه خسر عمله بسبب مرضه وحالته الاقتصادية الصعبة، حتى عليه أن يدفع ثمن دوائه ذهباً بعد قليل، حرام عليهم”.
يؤكد الدكتور بخدود معاناة المرضى مع الدواء والنقل، والخشية مستقبلاً من العجز عن توفير الانابيب والفلاتر، حينها يصبح مريض الكلى في مهبّ الأزمة، خاصة اذا دخلت هذه المستلزمات السوق السوداء أو رفع الدعم عنها.
إذاً، حتّى مرضى الكلى يعانون جرّاء الازمة الحالية، رمت بهم الدولة في وجه العاصفة، ولم تبقِ الحكومة الا على مجّانية الجلسات، أمّا الأدوية والنقل فهما العبء الأكبر، ويعجز كثر عن توفيرهما.