ينتظر لبنان، واللبنانيون عموماً عودة الرئيس سعد الحريري من الخارج، بعد زيارته «النورانية» الى المملكة العربية السعودية ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والجميع يأملون ان تكون الزيارة خيراً على لبنان الذي بات على أبواب الساعات الأخيرة لاقفال باب الترشح للانتخابات النيابية المقررة في السادس من ايار المقبل..
يتريث الافرقاء السياسيون في مجملهم عودة الحريري، ليقفوا على ما آلت اليه زيارته السعودية وتأخر لقائه مع ولي العهد، الذي من المفترض ان يكون لقاء مفصلياً، بعد الحفاوة اللافتة التي احيط بها منذ لحظة وصوله الى المطار ولقائه الملك سلمان.. كما وليقفوا على ما ستكون عليه المواقف ازاء التحالفات الانتخابية التي قد تشهد خلطات غير مسبوقة على هذا النحو، ويعزوها عديدون الى «غموض» قانون الانتخاب وانقسام الافرقاء السياسيين بين مشيد بهذا القانون وراجم له بكل أنواع العبارات والانتقادات القاسية.. على رغم ان الجميع شاركوا في صياغته واقراره، وبالغوا في تسويقه يوم أقر في مجلس النواب..
اللافت أنه، وعلى الرغم من استمرار السيناريوات التي تتحدث عن احتمال تعطيل اجراء الانتخابات على وقع التهديدات الاسرائيلية المتلاحقة، فإن العديد من الدول الاوروبية والاقليمية ماتزال تشدد على أنه كان «ولايزال من المهم جداً» اجراء الانتخابات في السادس من ايار المقبل، كما هو مقرر، على نحو ما جاء في بيان مكتوب للسفير البريطاني في لبنان هيوغو شورتر، بعد لقائه الرئيس نبيه بري في عين التينة أول من أمس.
في المبدأ، اكتملت كل التحضيرات لاجراء الانتخابات.. وأكثر من فريق يأمل انجاز هذا الاستحقاق المنتظر في أفضل الظروف كي تكون هذه الانتخابات فرصة للبنانيين لاختيار ممثليهم في المجلس النيابي، بما قد يؤدي الى تجديد الحياة السياسية في البلد وبما قد يعبر عن آمالهم وتطلعاتهم..».
وعلى الرغم مما في هذه التمنيات من «طوباويات» و»مثاليات» عابرة لحدود الممكن، فإنها تظهر مدى ما يمكن ان تكون عليه خلطة التحالفات المتوقعة بين الافرقاء السياسيين كافة، وما اذا كانت ستحمل جديداً يذكر قد يساعد في ولادة نمط جديد في الحياة السياسية.. ونظرة سريعة في الترشيحات وتوزعاتها تؤكد انه من كان سيكون وسيبقى على رغم بعض البهارات التي لا تقدم ولا تؤخر، خصوصاً وأن صيغ التحالفات المتوقعة ستبقى على حالها وموزعة وقد ارتفعت أصوات المعترضين و»الناقمين» على ذلك، وتعددت في غير منطقة وفي الدوائر الانتخابية كافة، وهي تحمّل الكتل النيابية الرئيسية، التي توالت على مواقع القرار منذ سنوات عديدة، مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع، وعلى المستويات كافة، من تردٍ وتراجع في الخدمات الاساسية، غير مسبوق على هذا النحو..
يوماً بعد يوم، ترتفع أصوات المطالبين بالعمل على تخفيض الدين العام الذي تجاوز حدود المعقول، كما وتجاوز حدود قدرات لبنان بعشرات المرات.. كما وتخفيض العجز الكبير في الموازنة العامة لعام 2018، ومكافحة الهدر والفساد ومعالجة الملفات الحياتية الاساسية، وفي مقدمها مسألة الكهرباء التي تتسبب بعجز اضافي واستنزاف للخزينة من دون وضع حل جذري للمعالجة، رغم مرور سنوات على هذه «الآفة».. بالاضافة الى أزمة المياه الصالحة للشرب والنفايات والالتفات الى تزايد البطالة في صفوف الشباب اللبنانيين، خصوصاً من بين خريجي الجامعات، مما يدفع الغالبية الساحقة منهم الى الوقوف طوابير أمام أبواب السفارات سعياً وراء لقمة العيش الكريمة وترك البلد.. هذا في وقت تزداد أزمة التعليم في لبنان حدّه وتتعدد عناوينها مع ادارة الحكومات المتعاقبة ظهرها للمدارس الرسمية والتعليم المجاني والجامعة اللبنانية، لصالح مافيات المدارس والجامعات الخاصة، التي تغالي في رفع الاقساط بما لا يستوي وقدرات غالبية اللبنانيين الساحقة، هذا مع الاشارة الى أنها لا تتقدم في الكفاءة والجودة عن المدارس والجامعات الرسمية..
في هذه اللحظة، ولبنان على أبواب اجراء الانتخابات النيابية، يتذكر الافرقاء السياسيون كافة، ما كان عليه أن يفعلوه ولم يفعلوه.. «فيقتلون القتيل ويمشون في جنازته» ويطلون على اللبنانيين ببيانات تتناول أهمية محطة الانتخابات، ويعلنون «أنهم مرتاحون وليست لديهم خشية في نتائج الانتخابات» على خلفية «ان الناس تعرف مصلحتها وقلبها وعاطفتها وعقلها وضميرها..»؟! ويوظفون على وسائل «التواصل الاجتماعي» من يروج لدفع ثمن أصوات الناخبين بمبالغ خيالية..
ليس من شك في ان لبنان يمر بمرحلة صعبة وقاسية جداً وسط تحديات خارجية وداخلية.. والجميع يدرك الحاجة الى وحدة الصف الوطني، تتقدم على ما عداها، من دون ان يعني ذلك الغاء فريق لآخر – او الحط من قيمته وقدرته ودوره وحقوقه.. وهناك مهمة شاقة جداً على عاتق الرئيس سعد الحريري المؤهل الوحيد لتولي رئاسة حكومة ما بعد الانتخابات و»لبنان يمر في مرحلة هي من أشد المراحل صعوبة، بفعل التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي.. تهدده الاخطار الخارجية وحرائق المنطقة..» الامر الذي يستدعي ان تكون الخيارات واعية ومدركة، وليكون المختارون على صورة ما يتطلع اليه اللبنانيون.