Site icon IMLebanon

قتل الأفاعي

 

كان لي نسيب صناعي مقرّب، يهاتفني للاطمئنان، فأبادره بالقول انني أتوجّه الى عملي في المصنع، فيقول لي بتحسّر: «رايح تقتل حَيايا؟» (أفاعي)، وهو كان مغترباً وقرر الرجوع الى لبنان والاستثمار بالصناعة، مقولة يرددها بثقة من يملك الخبرة الطويلة في الافاعي التي يواجهها الصناعي يومياً في عمله، عبر العراقيل والاعباء وسوء الخدمات.

 

وصفت الصناعي اللبناني بأنه يشارك في سباق، ولكنه مضطر الى ان يحمل على ظهره شي 50 كيلو حجارة، تحديداً هذا واقع الصناعة اللبنانية التي بدأ مسارها الانحداري منذ مؤامرة دخول لبنان في منظمة التجارة العالمية، والتي لم تتم عن سابق تصور وتصميم، وتبيّن انها كانت غطاءً لكسر صناعة لبنان، فشروط wto لم تطبّق الا على الصناعة وبقيت الاحتكارات بصحة جيدة، ومنذ ذلك الوقت تتوالى السياسات غير الصديقة للصناعة، وتأتي القرارات العشوائية لتزيد من معاناة الصناعي، حتى أصبحنا من أغلى كلفة اتصالات وأغلى طاقة، وأغلى مصاريف تصدير، وتعقيدات واجراءات لا تعد ولا تحصى، رسوم وتكاليف مرهقة، وصولاً الى اليد العاملة عبر تضييق تشغيل العمالة الاجنبية،علماً انّ بعض المهمات يرفض اللبناني القيام بها، والمطلوب من الصناعي اليوم إنتاج سلعة تنافسية صالحة للتصدير.

 

ومن جهة أخرى، يتخبّط المسؤولون للخروج من الازمة المالية عبر اقتطاع من هنا وزيادة ضريبة من هناك، علماً انّ الطريق الاسرع لذلك هو زيادة الصادرات في البلد لإدخال العملة الصعبة وتوفير فرص العمل المنتجة والحقيقية. ولم نقتنع بعد ان لا سبيل لإنقاذ البلد من عجزه وتخبطه الّا بزيادة التصدير والقدرة الانتاجية في البلد، فبدلاً من إقناع الصناعيين الذي ينقلون معاملهم من لبنان بالبقاء والانتاج على ارض بلادهم كأننا نشجّعهم على الذهاب الى مصر وتركيا ، وبدلاً من ان ندعم الصناعيين الذين أقفلوا وشرّدوا العديد من العائلات، الصناعيون الذين فقدوا ثقتهم ببلد صديق للمنتج ، بدلاً من ان نقدّم لهم بارقة أمل تحثُهم على الاستمرار، نُصرّ على إرهاق الصناعي بسلسلة من القرارات والاجراءات.

 

نرفض ان نتعلم ونرى كيف أنقذت الدول اقتصادها، كيف بَنت قاعدة تصديرية ضخمة أدخلت العملة الصعبة الى بلدانها، مثلاً تركيا والصين تقومان بدعم قاعدتيهما التصديرية بكل جدية الامارات العربية المتحدة وضعت هدفا لدعم الصادرات وإعادة التصدير غير النفطي للشركات بقيمة 3 مليارات دولار أميركي، تماشياً مع استراتيجية دولة الإمارات للتنويع الاقتصادي 2021، إيماناً منها بأنّ التصنيع والتصدير يبقيان الدرع الواقية لاقتصاد البلد بعد الازمة المالية الاخيرة. بلدان تمارس قناعة انّ التصدير هو السيادة الحقيقية، وأي مَس بالتصدير هو مَسّ مباشر بسيادة البلد.

 

فالصناعة هي الطريقة الافعل لزيادة النقد النادر في لبنان، ويكمن ذلك في زيادة صادراتنا. والصناعيون قادرون على المساهمة بفاعلية في حركة اقتصادية مميزة للابقاء على شبابنا في لبنان لنستفيد من طاقاتهم.

 

وبالتالي إنّ أيّ موازنة لا يكون هدفها الاساسي زيادة الصادرات هي موازنة ميتة قبل ان تولد. المطلوب اليوم توجيه الاهتمام الكلي لتنشيط الصناعة المحلية ودعم الصادرات عبر الاجراءات الآتية:

 

– تعديل القانون الصادر من خلال الموازنة لإعفاء الصادرات 100 في المئة من ضريبة الدخل وليس 50 في المئة، فكل ما يتم تصديره يجب ان يخرج من حجم الأعمال عند دراسة ملف ضريبة الدخل، فيكون التصدير معفى من ضريبة الدخل كلياً وغير قابل للاستنساب.

 

– إلغاء كل الرسوم المرفئية وتصديق الفواتير من عمليات التصدير، كما يجب الفرض على شركات الملاحة بما يتعلق بالـFOB Charges والشحن لتكون الاسعار تنافسية شفافة، وان لا تتعدى الارباح 10 في المئة حداً أقصى بما يتعلق بالتصدير، أما بالنسبة للنقل الداخلي فيجب الطلب من شركات النقل الداخلي تعرفة خاصة الى مرفأ بيروت ما بين الـ75 دولاراً في بيروت وضواحيها ، 100 دولار جبل لبنان، و150 دولاراً في المحافظات الباقية (بقاع – شمال – جنوب) مع تسهيلات خاصة للتصدير من قبل المرفأ والجمارك ليستطيع صاحب الشاحنة القيام بنقلتين في النهار.

 

– وضع خط Fast Track لمعاملات التصدير ومنع «الحلوينات» والرشاوى كلياً على عمليات التصدير، بكلام آخر ان لا تتعدى معاملة التصدير من المصنع الى ظهر الباخرة الـ200 $. أما بالنسبة للسكانر، فإذا أردنا الاستمرار بفحص كل الصادرات من خلالها، فيجب اعتماد الدور وتحديد الموعد مسبقاً وزيادة عدد المكنات الكاشفة.

 

– تنفيذ الـone stop shop الذي أقر في موازنة 2019، ودمج الاجراءات كلها ضمن مكتب واحد داخل المرفأ لتوفيرالوقت، فتوجد فيه كل الادارات المعنية بالاستيراد والتصدير، ومنها المختبر المركزي ومعهد البحوث الصناعية ومراجعة تعرفة معهد البحوث، لأن الاخير يتمتع باحتكار فحص بعض المستوردات ويجب مراقبة الأسعار المفروضة.

 

– رصد مبلغ 20 مليون دولار لوزارة الصناعة للاشتراك في كل المعارض الدولية لاستئجار أجنحة لبنانية من قبل الدولة، ويكون على الصناعي دفع تكاليف السفر والديكور فقط لا غير.

– العمل جدياً بالنسبة للنقل البري الى العراق الذي من الممكن ان تصل الصادرات الى العراق وحده خلال السنتين المقبلتين حوالى المليار دولار.

– فتح مرفأ بيروت ستة أيام في الجمعة، 12 ساعة يومياً، بانتظار تأمين الامكانيات لفتحه 24/24 دعماً للتصدير والاستيراد على السواء. وهذه نقطة أساسية مهمة جداً لتنافسية الاقتصاد، علماً انّ القراراتخذ ولم ينفذ، وعندما يسأل الوزير يخبرونه انه تم التنفيذ، ولكن اؤكد لكم ان التنفيذ الجدي والفعال لم يتم .

 

– الطلب من الملحقين التجاريين في سفارات لبنان في الخارج متابعة المعارض التجارية والصناعية والزراعية، وتأمين الاجنحة اللبنانية وإرسال الدعوات للشركات المحلية لزيارة الجناح اللبناني. أكثرية المصدرين اللبنانيين لم يتعلموا بعد أنه « بَدّك تروح عالبندر تتغندَر». بكلام آخر، يجب على اللبناني ان يكون موجوداً في كل المعارض الدولية، فهو المكان الوحيد الذي يكون فيه كل الزوار زبائن محتملين. أما في عواصم البلدان النامية التي لا توجد فيها معارض دولية، فعليهم العمل على اقامة معارض للانتاج اللبناني، مثل البلدان الافريقية.

 

– تأمين كهرباء صناعية 24/24 وبتعرفة الليل لصناعات الطاقة المكثفة لإبقاء الصناعيين اللبنانيين في دائرة التنافس.

 

– منح الصناعيين رأسمالاً تشغيلياً بفائدة مدعومة وبدون فائدة على 180 يوماً في حال التصدير.

كل المذكور أعلاه ومن ضمنه ضريبة الدخل والاعفاء من الرسوم الجمركية والمرفئية لن تتعدى تكاليفه السنوية الاربعين مليون دولار، وهو رقم ضئيل اذا ما قورن بالتكاليف والفوائد التي دُفعت لأصحاب الرساميل لادخالها الى نظام المصرف اللبناني، وهذه الاجراءات من الممكن خلال 3 سنوات من الوصول الى رقم 5 مليارات تصدير صناعي وزراعي .

 

باختصار، يجب اعتبار التصدير مقاومة اقتصادية، ويحقّ للمصدّر ما لا يحق لغيره، وهذه الأفكار يمكن ان تُعالج خلال بضعة أسابيع اذا كانت النية موجودة من خلال لجنة وزارية تضم الوزارات المعنية: مالية، اقتصاد، صناعة، زراعة ونقل بقيادة معالي وزير الصناعة وائل ابو فاعور، وانا اعلم انه «قدّها» إذا اراد، يجب على اللجنة ان تتعامل مع هذا الموضوع بأنّ كل اعاقة للتصدير تُعتبر بمثابة خيانة وطنية مع اعداد خطة لعدم السماح للكتبة والفريسيين بتعطيل الاجراءات الجديدة.

 

لقد رسمتُ هذه الحلول في ذهني طويلاً، ولكنني استيقظت فجأة وتذكّرت أنني في لبنان، بلد يُعاقب المنتج، بلد قضى على معظم صناعاته وهو في طريقه للقضاء على القليل المتبقي.