تنتشر في العالم اليوم صورتان معدّلتان لفلاديمير بوتين، واحدة تعطيه وجه ادولف هتلر الذي صنع محرقة اليهود والثانية تعطيه ملامح ستالين الذي قتل ملايين من الروس، وذلك في سياق الاستنكار المدوي في روسيا والعالم لاغتيال المعارض بوريس نيمتسوف الذي يعدّ من أبرز منتقدي بوتين، والذي دعا قبل ساعات من اغتياله الى التظاهر ضد “فساد الكرملين والتورّط في اوكرانيا” .
المعطيات التي سبقت الجريمة تدفع الى إلصاق الشبهة الثقيلة بما يسمّى “النظام الأوليغارشي” في الكرملين الذي تعرّض دائماً لإنتقادات نيمتسوف، لكنني لن أنساق الى مثل هذا الاستعجال على رغم ان بين بوتين ونيمتسوف ما صنع الدهر من العداء والكراهية، بإعتبار ان المغدور كان نائباً لرئيس الوزراء في عهد بوريس يلتسين، الذي فكّر في تعيينه خلفاً له لكنه فضّل بوتين القادم من أقبية “الكي جي. بي”.
قاد نيمتسوف معارضة شرسة ضد بوتين كان آخرها قبل ثلاث ساعات من اغتياله عندما دعا الى تغيير روسيا مطالباً بوقف التورّط في اوكرانيا معتبراً ان سياسة بوتين هناك عدوان سبّب الأزمة الاقتصادية الخانقة وأدّى الى هروب رؤوس الأموال وأنه “عندما تتركز السلطة في يد شخص واحد فهذا لن يؤدي سوى الى كارثة … الى كارثة في المطلق” !
نيمتسوف اغتيل في أحضان بوتين وتحديداً في المنطقة الأمنية للكرملين، ولهذا ليس كافياً ان يقول بوتين “إنه اغتيال يحمل بصمات عملية قتل مأجورة وكل سمات العمل الإستفزازي” بل عليه كما سارع باراك اوباما الى القول، “إجراء تحقيق سريع وموضوعي وشفّاف في ملابسات الجريمة الوحشية والآثمة والتأكد من إحالة عملية القتل على القضاء”.
ولأن نيمتسوف كان منافساً لبوتين ايام يلتسين ثم صار معارضاً قوياً له، وخصوصاً بعدما قاد موجة الاحتجاجات على ما إعتبره تزويراً فظاً من بوتين لنتائج الانتخابات عام ٢٠١١، ولأن قوات النظام أوقفته اكثر من مرة وتعرّض لعمليات دهم وتنصت ومضايقة، يمكن ان نفهم لماذا يعتبره الكثيرون في روسيا “أيقونة معارضي الأوليغارشية التي تدير الكرملين بذهنية ستالينية”، ويمكن ان نفهم ايضاً قول جون كيري “ان نيمتسوف كرّس حياته من أجل روسيا اكثر ديموقراطية وازدهاراً وانفتاحاً ومن أجل علاقات قوية بين روسيا ودول العالم”!
على خلفية كل هذا لا يمكن ان يتم اغتيال نيمتسوف في حرم الكرملين، وألا يقدم بوتين أجوبة واضحة وشفافة عن العملية، عبر تحقيق نزيه يكشف أبعاد الجريمة التي اعتبرها رفاق نيمتسوف ومنهم بطل الشطرنج العالمي غاري كاسباروف “محاولة لاغتيال روسيا”.
الأجوبة القاطعة ضرورية لصورة بوتين، وخصوصاً ان الجريمة تذكّر باغتيال المعارض ألكسندر ليتفننكو والكاتبة آنا بوليتكوفسكايا في ظروف وجّهت الشبهة الى بوتين المشبع بثقافة القمع الاستخباري!