لم تتوقف محاولة تصفية دولة الرئيس الياس المر عند الساعة العاشرة و25 دقيقة قبل ظهر 12 تموز 2005، لحظة تفجير موكبه بسيارة مفخخة في انطلياس يوم كان نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع، بل إنها عملية مستمرة منذ أربعة عشر عاماً.
في 12 تموز فجّروه ليلغوه من المعادلة، وليسكتوه الى الابد، بإلحاقه بقافلة من شهداء السيادة والحرية. لا هم نجحوا ولا هو سكت.
بعد 12 تموز، حاولوا إبعاده سياسياً، ومحاصرته إعلامياً، ليعود اليهم، داخلياً، بـ«جمهورية» إعلامية تحمل لواء مبادئه واقتناعاته وصلابة إيمانه بسيادة بلده وحريته، وخارجياً بترؤسه أعلى وأهم مؤسسة أمنية قضائية في العالم هي مؤسسة الانتربول.
ما رأيتُ الياس المر متألماً من جروحه نتيجة التفجير أكثر ممّا أراه اليوم متألماً لوجع الناس، وما وصل اليه لبنان من تراجع وانحدار.
ما اكتشفتُ في قلبه معنى الخوف يوماً، بقدر ما ألمس الخوف في عينيه اليوم على مصير لبنان ومستقبل اللبنانيين.
سامح من فجّره وحاول اغتياله، لأنه في عمق إيمانه بالتعاليم السماوية لا يشتعل حقداً وكراهية، لكنّه بالتأكيد لن يسامح من يحاول اغتيال الوطن وتيئيس اللبنانيين اليوم بسياسات قاصرة ومتهورة، وسلوكيات غير مسؤولة وذهنيات إلغائية وإقصائية.
لم يحزن الياس المر لأنّ دمه سُفك غدراً يوم كان على رأس وزارة عسكرية – أمنية، لا همّ له غير أمن اللبنانيين وكرامتهم وحماية سيادة وطنهم بسلاح جيشهم، لكنّه يحزن اليوم على إهدار دمه ودماء سائر الشهداء، في تسويات وصفقات أخَلّت بالتوازنات الوطنية، ووزّعت البلد كانتونات ومربعات وجوائز ترضية، وما زادته إلّا عجزاً وهشاشة في ظل تغيّرات إقليمية متسارعة وخطيرة جداً.
الياس المر لم يعد مهتماً بمقاضاة مَن أمر بتفجيره ومن نفّذ الجريمة بقدر ما هو مهتم اليوم بالبقاء مع الناس في مواجهة من يفجّر البلد، ويفلس الدولة، ويقضي على الاقتصاد، ويسحق أحلام اللبنانيين في وطن سيّد حرّ حديث، لطالما ناضلوا في سبيله.
من 12 تموز 2005 الى 12 تموز 2019، الياس المر لم يسقط، لم يتغيّر، لم يتعب، لم ييأس، أمّا القتلة فإلى جهنم.