كيف تفاعل الجمهور البيروتي والسُنّي مع خبر مقتل القيادي في “حزب اللّه” سليم عياش المتهم بالمشاركة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ حوار بين أبي زهير وزوجته أم زهير يلقي الضوء.
“مات سليم عيّاش”… بهذه الجملة استقبلتني أم زهير قبل أيام. لم تنتظر دخولي المنزل ولا حتى وضع الأغراض من يدي على باب المطبخ. قفزت من فوق كل الويلات والخراب والدمار والاغتيالات ولم ترَ إلّا استهداف عيّاش في سوريا.
جَلَست بقربها، وسألتها: “نعم مات… وما الفرق؟ كل الناس الذين ماتوا ويموتون ولم تلحظي إلّا عيّاش؟”.
ردّت سريعاً: “كنت أتمنى أن يحاكم ويدخل السجن. لا أن تغتاله إسرائيل فيُحسب علينا بطلاً… لكن هذه حكمة الله”.
استلّت أم الزوز هاتفها الخلوي من “حرجها”، ثم فتحته على صفحتها في “فايسبوك” (تطبيق الحجائز)، وقالت لي: أنظر. وضعت صورة الشهيد رفيق الحريري “ستوري”. ليس أنا فحسب، بل كذلك فعلت أم صلاح وأم محمود. أنا اخترت آخر صورة للرئيس الشهيد (يرحم ترابو) متقهقهاً يوم ارتشف آخر فنجان قهوة مع باسم السبع في مقهى “الإتوال” بساحة النجمة.
قلت لها: ليس أنتنّ فحسب. كثير من البيارتة فعلوا الأمر نفسه. لاعب كرة السلّة وائل عرقجي فعلها أيضاً، وضع صورة الحريري “ستوري” لكنّهم شيطنوه واتهموه بإثارة الفتن ونكْء الجراح… ولو يعرفون بأمركنّ يا أم الزوز لشيطنوكنّ كذلك.
هم اعتبروا استذكار تلك المناسبة بمنزلة تهديد للأمن القومي في دولة “اللادولة”. في نظر شركائكم في الوطن، أن يقتلوكم “دحّ”… لكن أن تعترضوا فذلك “أحّ”.
رمقتني بعدها أم زهير بنظرة من طرف عينيها، ثم قالت: لماذا تحدثني بلغة الـ “أنتم”؟… يعني إنت كاين خلقان على مفرق الشانزيليزيه؟
قاطعتها وقلت لها: أعوذ باللّه أم الزوز… ألم يقل دولة الرئيس ذات يوم “ما حدا أكبر من بلدو؟”.
صمتت، ثم قرأت الفاتحة عن روحه، و”فضّتها” سيرة.
لعلّ سلوك أم زهير، على غرار أترابها، يكشف من خلال هذه “السالفة” البسيطة والمقتضبة مقاربة أهالي بيروت، والسنّة تحديداً، لهذه الحرب. نظرة أم زهير لهذه الحرب توقّفت عند “محطة” اغتيال سليم عيّاش الذي كان بمنزلة “ترياق الذاكرة”.
نعم، مرّ هذا السلوك بمنعطفات كثيرة منذ انطلاق “طوفان الأقصى”، فامتزجت العواطف بالحقائق… لكن اليوم الأمر تبدّل: كلما زاد عُمر الحرب يوماً اضمحلّ مفعول “البنج” وانقشعت الغشاوة.
رؤية “أم زهير” اليوم أشدّ وضوحاً… حتى بلا “عوينات”!