IMLebanon

كيم الثالث وأحمدي نجاد … وترامب

«نحن نعيش في ظل تهديد باجتياح أميركي»، شعار استند إليه النظام الكوري الشمالي على مدى ثلاثة أجيال من حكم سلالة الراحل كيم إيل سونغ، لتبرير عسكرة المجتمع وضمان انصياع السكان لقبضة السلطة القوية.

لا شك في أن «نظرية المؤامرة» تلك أُشبعت بحثاً وتمحيصاً واعتُمدت سلوكاً ومنهجاً منذ نشوء الديكتاتوريات، لذا من الطريف أن يعمد أحدهم إلى التذكير بها، خصوصاً إذا كان تذكيره يؤخذ عليه اعترافاً بممارستها، كما فعل الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في رسالة «تهنئة» بعث بها إلى ترامب أخيراً. قال نجاد مخاطباً الرئيس الأميركي: «لا بد أنك تعرف أن تاريخ تعامل الإدارات الأميركية مع البلدان، وصل إلى مستوى من عدم الرضا لدى الشعوب الأخرى، وحداً كبيراً، بات معه أي حزب أو شخص ينتخب بناء على مناهضته سياساتكم»!

واستكمالاً لهذه النظرية «البراغماتية» فإن العداء الذي يفترض أن يكون «عقائدياً» و «نهائياً» مع الإمبريالية، لم يحل على ما يبدو دون محاولة «القلعة الستالينية» الأخيرة في هذا العالم، إطلاق حوار مع واشنطن، إذ كشفت شبكة «سي أن أن» مطلع الأسبوع الحالي أن وفداً كورياً شمالياً كان يعتزم السفر إلى نيويورك يوم الجمعة الماضي، لإجراء حوار مع مجموعة من المسؤولين الأميركيين السابقين، لولا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب سحبت موافقة مبدئية أعطتها على إصدار تأشيرة زيارة للموفدين الكوريين.

ليست تلك المرة الأولى التي تجرى فيها محاولات للتواصل بين العدويين اللدودين، لم تسفر كلها عن نتائج تذكر في الماضي، لكن اللافت أن سحب الموافقة على دخول الوفد الزائر إلى الأراضي الأميركية، ترافق مع إعلان ماليزيا أن غاز أعصاب محرماً دولياً، استُخدم لاغتيال كيم جونغ نام، الأخ غير الشقيق للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في مطار كوالالمبور قبل نحو عشرة أيام، وهو إعلان يشير بوضوح إلى وقوف جهاز استخبارات خلف الجريمة، ويوجه أصابع الاتهام إلى نظام بيونغيانغ في ظل تقارير عن حال عداء وتنافس بين الأخوين.

لم تكن إدارة ترامب بحاجة إلى هذه الواقعة للتحقق من امتلاك بيونغيانغ مواد محظورة دولياً باعتبارها أسلحة «دمار شامل»، إذ سبق أن تحدى كيم الثالث المجتمع الدولي بأسره وترامب خصوصاً، بتجربة باليستية، ترافقت مع استقبال «سيد البيت الأبيض» رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أواسط شباط (فبراير) الجاري.

بديهي أن التجربة الصاروخية الباليستية لكوريا الشمالية لم تحل آنذاك دون الحوار، ولن تحول دونه تصفية الزعيم الكوري أخاه، لكن هذا الحادث اقتضى تأجيل لقاءات من هذا النوع إلى أن تهدأ الأمور، ذلك أن الرئيس الأميركي ليس في حاجة إلى مزيد من الانتقادات في وسائل الإعلام، في حين أن الطرف الذي سيبدو مستفيداً من تواصل كهذا، هو الحاكم الشاب لكوريا الشمالية الذي قد يكون «الجنون» العامل المشترك الوحيد بينه وبين ترامب.

على الأرجح، لم يعد بوسع الزعيم الكوري الشمالي الاقتداء بتجربة إيران في فرض برامجها النووية والصاروخية أمراً واقعاً، ونيل اعتراف (إن لم يكن مكافأة على ذلك)، بالجلوس إلى طاولة القوى العالمية والاتفاق معها على تسويات متبادلة. مجريات الأمور على هذا النحو لم تعد بديهية، مع سعي ترامب إلى إعادة فرض الضغوط على إيران، سعياً إلى مزيد من التنازلات من جانبها، والأهم هو إفهامها أن استخدام برامجها النووية والصاروخية لم يعد يضمن تعاملاً بـ «نديّة» مع القوة الكبرى، أقله في هذه المرحلة.