إذا ما أخذنا السنة الدراسية الحالية التي تشارف على نهايتها معياراً لقياس الوضع التربوي للسنوات المقبلة، يتبيّن بأنّ العديد من الأهالي امتنعوا عن تسجيل أبنائهم في قسم الروضات، أي صفوف الروضات الأولى، الثانية والثالثة لسبب رئيسي هو الضائقة الإقتصادية، مع أنّ الأوضاع في السنة الآفلة تبقى أفضل من ناحية الأقساط عمّا سوف يكون عليه الوضع في السنة الدراسية المقبلة.
على ما يبدو، فإنّ المدارس الخاصة تتّجه السنة المقبلة نحو الدولرة الشاملة في أقساطها، لكي تؤمّن استمراريتها. وفي وقت تراجعت فيه أعداد تلاميذ الروضات في المدارس الخاصة والرسمية معاً، للعام الدراسي 2022 – 2023. يُحكى أنّ الأقساط ستتدرّج من 500 دولار صعوداً، بعدما كانت تراوحت هذه السنة ما بين 100 إلى 600 دولار بحسب كلّ مدرسة، ما حال دون تمكّن الكثير من الأهالي في الشمال من تسجيل أطفالهم في الروضات وفضّلوا بقاءهم في البيوت إلى أن يسمح عمرهم بالتسجيل في صفّ الأول الأساسي وتوفير بعض المال بذلك.
وتقول السيدة عطاء عبد المحسن: «لم أسجّل إبني الصغير في صف الروضة الأولى السنة الماضية لأنّ المدارس طلبت 200 دولار ومدارس عكار الرسمية لا تتضمن روضات ذات قيمة، ويبدو أنني لن أستطيع التسجيل العام المقبل لأنّ هناك اتجاهاً إلى دولرة أكثر».
أمّا سعيد علاء الدين من طرابلس، فيشير إلى أنّه لم يسجّل أولاده هذه السنة في المدرسة الرسمية بسبب الإضرابات المستمرة، أمّا في التعليم الخاص فسجّل ولدين في صفّي الثالث والخامس المتوسط، ولم يتمكّن من تسجيل طفل في صف الروضة الثانية لأنّ الأقساط تجاوزت 2000 دولار، وراتبه لا يتجاوز الـ200 الدولار.
وفيما تشير المعطيات الى أنّ وزارة التربية قد تلجأ إلى دولرة الأقساط في المدارس الرسمية أيضاً العام المقبل من أجل تغذية الصناديق المدرسية، علماً أنّ موازناتها لم تعد تكفي ثمن أوراق وطبشور كل سنة بحسب مدير ثانوية شمالية، يقول نقيب المعلمين في التعليم الخاص نعمة محفوض إنّ «مستقبل العام الدراسي المقبل مرتبط بالمستقبل السياسي للبلد. فإذا بقيت المنظومة الحاكمة سائرة بنا نحو جهنّم فالقطاع التربوي سيبقى من سيّئ إلى أسوأ، مثله مثل باقي القطاعات التي تنهار الواحد تلو الآخر».
ويضيف: «من الواضح أنّه من غير الممكن تحييد القطاع التربوي عن الإنهيار، وما يجري منذ سنوات هو عملية ترقيع من دون حلول جذرية، ومعلّمو المدارس الخاصة اليوم يعلّمون أولاد الناس مجاناً، لكننا لم نعد قادرين على الإستمرار بعدما تحولت كل الأمور إلى الدولار. نريد 50 % من راتبنا أقلّه بالدولار، وإلا فلا عام دراسي جديد».
ويرى محفوض بأنّ «الأمور في البلد بحاجة إلى عملية إنقاذ جدّية تبدأ عبر انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة تعيد الثقة بالبلد وتعيد العجلة لكل مؤسسات الدولة». ويلفت الى أنّ «النقابة تفاوض أصحاب المدارس إذ لا يعقل أن يبدأ عام دراسي جديد ويبقى معاشنا 20 و30 دولاراً، وعلى الأهل تفهّم وضعنا والتعاطي مع قضيتنا كما تعاطوا مع الدولرة في الكهرباء والسوبرماركت وكل شيء». ويحذّر في المقابل بعض أصحاب المدارس من «دولرة الأقساط على حساب المعلم بإعطائه الفتات، فهذا أيضاً لن نقبل به».
أمام هذه المعطيات يتّضح بأنّ التعليم في لبنان سيصبح مثل الطبابة، للميسورين فقط، في حين أنّ الفقراء وقليلي الدخل لن يتمكّنوا من إكمال تعليمهم لا بالخاص ولا بالرسمي. ويعترف المسؤولون في وزارة التربية بدءاً من الوزير عباس الحلبي مروراً بالمدير العام عماد الأشقر بأنّ القطاع التربوي مهدّد برمّته، وإذا اعتبرنا أن هذا العام الدراسي قد مرّ بأقل الأضرار الممكنة، فإنّ انطلاقة العام المقبل لن تكون سهلة بتاتاً من دون تمويل وتحقيق وعود الوزارة للأساتذة، ومن دون تأمين برامج أو أي شكل من أشكال المساعدة للأهالي الذين لم يعودوا قادرين على تعليم أولادهم.