أخطر انواع المخدّرات، ليست تلك التي تُستخدم كمسكّنات خلال الاجراءات والمعالجات الطبّية، أو تلك المُهلوسات التي يتمّ المتاجرة بها بشكل غير قانوني في سوق المافيات الدوليّة، بل أخطرها تأثيراً وتضليلاً، هو البرنامج التخديري المُعتمد من قبل محور المُمانعة، والذي يتم بثّه لتنويم القواعد والأزلام والبيئات الحاضنة، والقيادات في بعض الأحيان. وحيث لم يعد لهذا المحور الفاشل في كافة المجالات، وخاصةً في ادارة شؤون الناس والدول، وفي الحروب الحقيقية أيضاً، من سلاح ردع، ضدّ انكشاف زور ادّعاءاته السخيفة للسنوات الأربعين الماضية باستعداداته الكاملة لمحاربة اسرائيل، من أجل الابقاء على سلاحه غير الشرعي ومنظّماته الرديفة للدول الرسمية، فما تبقّى لديه من سلاح، الا استخدام، المورفين الفكري.
فبرنامجه التخديري والتجهيلي، لم ينضب يوماً ولن يفرغ من القصص الولّاديّة، ومخيّلات طبّاخيه للمورفين، على جهوزية دائمة للابداعات البطوليّة. فالكلام لدى المحور لا يقترن بالأفعال، بل يعتمد على النسيان، وعلى الذاكرة الشعبية القصيرة، فلذا، عند كل ضربةٍ عسكرية يتلقّاها، وببعض الاوقات يستبقها، هناك قصّة بطولة تُعلن من هذه المطابخ، لتُعطي لخساراته المُبيّنة سيناريوات انتصارات. بالطبع، إنّ تفنّن اعلام المحور بالتنويم الفكري للقواعد يخدم استراتيجية الاستمرارية لمشروعه الزائف، ولكنّه في الوقت ذاته يدلّ بمنهجيته المورفينيّة، الى أنّ الانتصار على العدو، لم يكن مطروحاً اساساً بالنسبة له، بل التسلّط على الشعوب والقواعد، هو الهدف الثابت له.
نشأ مشروع نشر الثورة الايرانية في منطقة الشرق الاوسط على مبدأ الاستخدام لشعاراتٍ شريفة، يتصدّرها شعار «استعادة القدس»، بما يحمل هذا الشعار من رمزية خاصة بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية، لكن، لم يخطُ المحور يوماً أي خطوة فعلية نحو الهدف، ليس فقط لادراكه التام بعدم قدرته على تحقيقه، بل أيضاً لحاجته لاستمرارية الشعار من اجل استمرارية وجوده، ومن اجل استمرارية المنظّمات الارهابية التي تتسلّط على الشعوب العربية والاسلامية، كذخيرة إيديولوجيته السياسية التوسّعية، التي تحتاج دائماً لشعاراتٍ ثابتة، لا نهائية لها، لتُظلّل خلف صداها، الاهداف الحقيقية وغير المُعلنة التي يطمع المحور لتحقيقها.
ولذا، لم يقترن شعار المحور لتحرير القدس بخطة عملية، بل بحملة تنويم وتخدير وتوجيه، مصحوبة بروايات مورفينية للقواعد والبيئات وللقيادات الميدانيين للمحور، بما تحمل هذه الروايات من تأثيرات كبيرة، بهدف الإحاطة بالعواقب التي ستنفجر بوجهه عند حلول الوعي الاكيد القادم لهذه القواعد، نتيجةً لعذاباتها ومآسيها المستمرّة، وعند انكشاف عدم قدرة المحور على الردع والتحرير. وأهمّ الأمثال على هذه المنهجية ما صدر عن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أخيراً، باعلانه نجاح مقاومته بمنع العدو من تحقيق مآربٍ، لم يُعلنها الجانب الاسرائيلي بالاساس، محاولاً الاشارة بمنهجيته المُضلِّلة، الى أنّ محوره يُحقّق انتصاراتٍ، ولكن في الحقيقة، فإنّ ما يُثيره السيّد من قضايا وهمية، هي ليست أهدافاً للجيش الاسرائيلي. أمّا اخطر حلقات القصص المورفينية الحالية، فهي النظريات الايرانية الاخيرة، التي يسعى النظام من خلالها الى تبرير تمنّعه عن الردّ الجدّي على الضربات الاسرائيلية المُستفزّة له، بابتداع مسرحيات ردود صاروخية ومسيّراتيّة لا ضرر منها الا على حياة الشعوب، وعلى برامج رحلات الطيران، وكل ذلك لحرصه على عدم الانجرار الى حرب شاملة مع اسرائيل، مناقضاً بذلك ما أعلنه لمدى سنوات، عن الجهوزية لازالة اسرائيل من الوجود عند تعدّيها عليه، وها هي اسرائيل تقوم باستفزازه مباشرةً، بضرب سفارته في دمشق، ولا حياة لردٍّ ايراني او لانتقامٍ من قبل «الحرس الثوري» لديه، المشغول أساساً بقمع الشعوب الايرانية والعربية.
في المعالجات الطبّية، تُزوّد مادة المورفين لتخفيف الآلام، وخاصةً عند التأكّد من دخول المريض في المراحل المتقدّمة من المرض العضال الذي يُعاني منه، وعدم القدرة على إزالته، أمّا مورفين المحور فيُنشر للتأكّد من منع الشعوب، المُصابة بسمومه والمغدورة من قبل أهدافه، من الخروج من كبوتها. إنّ محور المورفين نشأ بالأساس لحكم الشعوب واستغلالها، ولم تكن نشأته بهدف مواجهة اسرائيل، ولذلك دخل الآن في مراحل مرضه العضال، الذي سيحتاج فيه للمورفين، لنفسه.