في قلب عاصفة الإرهاب التي تضرب العالم العربي من المشرق الى المغرب، وشلالات الدماء التي تتساقط غزيرة كلما توثقت عرى تحالف الإرهاب والاستبداد… في قلب الزلزال الذي اقتطع من خريطتي العراق وسورية ويهز كيانات أخرى، آن لنا أن نرى أملاً لفرصة قد تكون الأخيرة لانتشال المنطقة من الزلزال والعاصفة.
بعد أربع سنوات من الأيام السود التي اقتادت العرب جميعاً الى وديان اليأس، وسط براكين غضب وعنف وتنكيل وتشريد، وسقوط مئات الآلاف من القتلى… جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ونجاحها في استعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي، وإعلانها محاصرة الخلافات وفتح الصفحة الجديدة في العلاقات بين دول المجلس، والدعم الجماعي لمصر في ظروفها الصعبة، لتدشّن مرحلة الإنقاذ. وهو انقاذ بجناحين: مسيرة العمل الخليجي، والتضامن العربي.
فلنتذكر أن «التضامن العربي» غاب عن أدبيات السياسة في ظل العاصفة والزلزال… فلنرَ نوراً في نهاية النفق، بعدما علا طويلاً ضجيج العنف، والإرهاب الذي يتستر زوراً بالدين، ويكفّر بكل الانتماءات الوطنية.
جناحان لمبادرة الملك عبدالله: قوة خليجية متماسكة لا تدافع فقط عن مصالح أهل الخليج، بل لا تزال الرافد الرئيس لشرايين الاقتصاد في دول عربية تشح مواردها ويئن شبابها تحت وطأة الفقر والحرمان والبطالة، فيهربون من اليأس الى بحور هجرة بلا شطآن.
الجناح الآخر، الدعم الخليجي الجماعي لمصر، يرمّم التضامن العربي الذي انهار وتداعى منذ اكتملت محاصرة العرب ومصالح كياناتهم ودولهم، بين «استراتيجيات» الغرب وأطماع اسرائيل ومصالح تركيا وإيران وروسيا.
كاد العرب يطلّقون عروبتهم التي ضاعت تحت سقوف صراعات النفوذ، منذ حاصرت ايران العراق من الداخل وعزلته عن أشقائه، واخترقت تركيا المنطقة وراء لافتة تيارات الإسلام السياسي، وخنقت اسرائيل آمال الفلسطينيين بالدولة، مستخدمة سيف انقساماتهم… وأبيد أكثر من مئتي ألف سوري، وأطاح زلزال «داعش» فرص انقاذ الثورة.
بعد كل ذلك، تناسى كثيرون الأسئلة الكبرى: مَن سلَّم العراق لإيران؟ مَن حاصر اتفاق مكة المكرمة وأحبط تنفيذه ليمدد فصول التناحر بين السلطة الفلسطينية و «حماس»؟ مَن قاد قطاع غزة وأهله الى مقصلة الحروب الهمجية الإسرائيلية؟ مَن حاصر اتفاق الطائف في لبنان وسعى الى نسفه؟ مَن التف على المبادرة الخليجية في اليمن ليمكّن الحوثيين من الانقلاب على الشرعية وابتلاع البلد؟ مَن أنقذ الاستبداد في سورية، لاقتلاع الثورة بوحشية الإرهاب؟
لكل ذلك، تحيي مبادرة الملك عبدالله أملاً باستعادة العرب زمام المنطقة وإدارة أزماتهم بتعقل لمحاصرة صراعات النفوذ التي يتغذى منها العنف والإرهاب، بدماء عربية. والأكيد ان انقاذ القمة الخليجية المرتقبة في الدوحة بإنجاح قمة الرياض والإعلان عن الاتفاق الخليجي التكميلي، إذ يستبق فصلاً حاسماً في مفاوضات الغرب وإيران، سيحصّن المنطقة من تداعيات احتمالين كلاهما مُرّ: الصفقة الكبرى التي سترسّخ الاختراقات الإيرانية في العالم العربي، أو فشلها وبدء مرحلة مواجهات، لا بد أن تكون ساحاتها عربية.
بيان الملك عبدالله أمل كبير بعودة التعقل وإحياء تضامن عربي اندثر، معه لا تنفع محاكمات النوايا، ولا الحروب الصغيرة بالوكالة التي تقسّم العرب بين ضحايا ويائسين ومشردين.