IMLebanon

الملك والقيصر… معاً ضد الإرهاب

 

يمكن القطع بأن إحدى أهم نتائج زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا الاتحادية، الاتفاق ومن جديد على جعل مكافحة الإرهاب أولوية للتعاون الثنائي بين البلدين، سيما مع إقرار القيادة الروسية بأن المملكة قوة رائدة في المنطقة، بحسب اعتراف الرئيس بوتين عينه.

الذين قدر لهم الاستماع إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بالمشاركة مع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أدركوا أن جبهة قوية باتت قائمة اليوم في مواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين، أي الإرهاب الأسود، ذاك الذي عدل وبدل من حال العالم؛ فعوضاً عن سيادة الأمن والأمان بات الجميع في خوف وقلق من الأسوأ الذي لم يأتِ بعد.

يدرك الطرفان جيداً أن القضاء على «داعش» لوجيستياً ليس هو نهاية المطاف، فالكارثة الكبرى هي أن الإرهاب تحول إلى أفكار متشظية تنتقل حول العالم عبر أدوات العولمة، وفي مقدمتها وسائط التواصل الاجتماعي، ما يجعل من حصارها مادياً أمراً مستحيلاً، ولهذا تبقى الرؤى الاستباقية والاستشرافية أمراً واجب الوجود في مكافحتها.

لدى المملكة خبرات عريضة في مكافحة الإرهاب، وقد أشار الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، في حواره الأخير والقيّم مع وكالة «سبوتنيك» الروسية الأيام القليلة الماضية، إلى الدور الذي لعبته المملكة طوال عقود في مكافحة الإرهاب، وبخاصة عبر مركز التأهيل والمناصحة الذي يعد نقلة فكرية في طريق قطع طريق الشر، من خلال التعاطي مع بعض الذين وقعوا في فخ الإرهاب وعادوا تائبين ونادمين، بوصفهم ضحايا أكثر من جناة.

روسيا بدورها، ومن خلال الأدوات التي تتوفر لها كدولة عظمى، أعلنت الأيام القليلة المنصرمة على لسان مدير هيئة الأمن الفيدرالي الروسية، الوريث الشرعي للاستخبارات السوفياتية العتيدة، الـ«كي جي بي»، ألكسندر بورتنيكوف، عن اتجاه تنظيم داعش بعد الهزائم الأخيرة التي تلقاها في العراق وسوريا، إلى تكوين شبكة إرهابية دولية جديدة، بالمشاركة مع منظمات إرهابية أخرى ذات ميول مشابهة حول العالم.

يأتي تعاون المملكة العربية السعودية مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب، وسط تنامي ظواهر إرهابية كارثية، مثل «الذئاب المنفردة» التي تعد إشكالية كارثية، تعززها صراعات إقليمية ومواجهات أهلية، ودعوات انفصالية شرق أوسطية وأوروبية، ومن قبلها أميركية، وجميعها تفتح أبواب الشر على العالم.

والشاهد أن المثير في المشهد هو التقاعس الدولي عن بلورة رؤية موحدة عالمية تحت رعاية الأمم المتحدة، لوضع خريطة عالمية لمكافحة الإرهاب، وهنا نذكر بأنه منذ عام 2005 والمملكة تقترح إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، من أجل جمع المعلومات الاستخبارية – والرواية هنا على لسان الأمير تركي الفيصل – وتقديم التدريب والمساعدة الاقتصادية للبلدان التي تواجه الإرهاب، وتلك التي لا تتوفر لها الوسائل اللازمة لمحاربته، سواء كان ذلك في أفريقيا أو آسيا أو أميركا.

والمعروف أنه في عام 2013 تمكنت المملكة من إنشاء المركز، غير أن الغريب والعجيب وما يدعونا من جديد لأن نتساءل: هل هناك قوى دولية بعينها لها مصلحة ما في عدم القضاء على الإرهاب العالمي، ولذلك تهمل – إن لم نمضِ في طريق فكر المؤامرة ونقول ترفض – مكافحة الإرهاب.

يأتي التعاون الروسي – السعودي في مجال مكافحة الإرهاب كمثال دولي فائق القيمة، في الوقت الذي تتشكى فيه أميركا أوروبا من نقص التعاون الاستخباراتي والمعلوماتي، ما أدى ويؤدي إلى حالة ازدياد وتيرة العمليات الإرهابية في الأعوام الأخيرة، والمرشحة للتصاعد بشكل خطير، إنْ لم يبادر الجميع لتخليق شبكة عالمية لا تصد ولا ترد.

تمتلك المملكة أدوات عريضة في مواجهة الإرهاب الذي بات آيديولوجيا نافذة، وله أتباع ومريدون، إنها تمتلك النفوذ والحضور الروحي أولاً وآخراً، إنها قادرة على بلورة رؤية شفافة لصحيح الدين والمعتقد والإيمان على صعيد العالم الإسلامي، وهذه هي قوتها التي تفوق بمراحل إمكاناتها النفطية أو بقية ثرواتها المعدنية.

على الجانب الآخر، نرى في روسيا اليوم رغبة لتقديم نموذج مغاير لمعايير الغرب، حيث المشروع الفردي هو السائد، ولهذا تفككت أواصر المجتمع ومفاصله، فيما روسيا تبدو اليوم كمجتمع متشابك بعضه مع بعض، مثل السجاد بنقوش فريدة، وفيه مثال جيد جداً لترابط أتباع الأديان المختلفة والجماعات العرقية المتباينة معاً، ليتم خلق مجتمع متماسك وحيوي.

زيارة الملك سلمان إلى روسيا نقلة استراتيجية للدبلوماسية السعودية، تعيد توازن العلاقات بين الرياض والقوى العظمى حول العالم، وبخاصة في ظل حالة الاضطراب والحيرة الجيواستراتيجية الأميركية، وفي ظل رئيس أميركي غير متوقع.

وعلى المدى المنظور، تبقى رؤية القيادة الروسية ممثلة في بوتين، لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رؤية إيجابية خلاقة، فقد وصف الأمير محمد في حديث سابق لـ«بلومبيرغ» بأنه يعتبره «مسؤولاً نشيطاً جداً، وشخصاً يعرف جيداً ما يريد، ويعرف كيف يحقق أهدافه، وشريكاً موثوقاً يمكن الاتفاق معه، وإن موسكو ستكون واثقة من تنفيذ تلك الاتفاقات».

 

أحلى الكلام… الخير قادم إن شاء الله.