Site icon IMLebanon

الملك سلمان وما لا يجرؤ اللبنانيون على قوله  

 

اكثر ما تحتاج اليه المنطقة في هذه الايّام هو الوضوح. إنّه الوضوح الذي عبّر عنه الملك سلمان بن عبد العزيز في خطابه الأخير. لا شيء افضل من الوضوح السياسي البعيد عن اللفّ والدوران، الوضوح الذي يعني بين ما يعنيه تسمية الأشياء باسمائها. كان خطاب سلمان بن عبد العزيز في افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة قمّة الوضوح. هذا ما تحتاج اليه المنطقة اكثر من ايّ شيء آخر في هذه المرحلة المصيرية التي تمرّ فيها، مرحلة اختلطت فيها الوطنية الحقيقية بالمتاجرة بفلسطين والشعارات الفارغة من نوع «المقاومة» و»الممانعة».

 

هناك عناوين كثيرة مهمّة في خطاب. من بين اهمّ ما في الخطاب المقطع المتعلّق بلبنان. اكّد سلمان بن عبد العزيز الذي عرف لبنان عن كثب وقوف السعودية إلى جانب الشعب اللبناني الذي تعرض إلى كارثة إنسانية بسبب التفجير الذي وقع في مرفأ بيروت، قال: «يأتي ذلك (التفجير) نتيجة هيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح مما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية. إن تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء يتطلب تجريد هذا الحزب الإرهابي من السلاح».

 

ليس هذا الكلام كلاما عاديا بايّ مقياس من المقاييس. إنّه يدل قبل ايّ شيء على ان المملكة العربيّة السعودية في حال دفاع عن النفس في ضوء ممارسات «حزب الله». لو لم يكن الامر كذلك، لما ذهب سلمان بن عبد العزيز الى هذا الحد في خطابه الذي يمكن صفه بالتاريخي. للمرّة الأولى يجيب ملك السعودية على السؤال المحيّر الذي يشغل بال اللبنانيين منذ انفجار ميناء بيروت في الرابع من آب – أغسطس الماضي عن العلاقة بين «حزب الله» وما حدث من تدمير لحق ببيروت. ليس في لبنان من يجرؤ الحديث عن هذه العلاقة. ما قاله الملك سلمان انجاز بحدّ ذاته، انجاز يضع اللبنانيين امام مسؤولياتهم بدل الهرب من الحقيقة والواقع المتمثّل في ان «حزب الله» كان يعرف تماما ماذا يجري في ميناء بيروت. لا شكّ انّ هناك علامات استفهام كثيرة في شأن كارثة ميناء بيروت التي يرفض المسؤولون اللبنانيون، في مقدّمهم رئيس الجمهورية ميشال عون، استيعاب معناها، كما يرفضون البحث عن أسبابها. يرفضون صراحة تحقيقا دوليا يكشف الحقيقة ولماذا حصل ذلك التفجير الكبير في ذلك اليوم المشؤوم. الم يقل رئيس الجمهورية ان التحقيق الدولي «مضيعة للوقت»؟ ما الذي يريد التغطية عليه عندما يصرّ على تفادي التحقيق الدولي بحجة الوقت. مضى شهران تقريبا على الكارثة التي شلت بيروت. لم يصدر الى الآن ما يكشف ولو واحدا في المئة من الحقيقة التي قالها سلمان بن عبد العزيز للبنانيين بطريقة مباشرة وصريحة وبالفم الملآن. قال الملك، بكلّ بساطة، ما لا يجرؤ اللبنانيون على قوله. كان صوتهم المدوي في ظلّ المأساة التي سقط فيها لبنان.

 

من هذا المنطلق، يمكن وصف الخطاب الذي تلاه العاهل السعودي بانّه تاريخي بالفعل، بل نقطة تحوّل في الصراع الدائر في المنطقة، وهو صراع ولد من المشروع التوسّعي الإيراني. يلجأ هذا المشروع الى ادواته، حيث استطاع ذلك في كلّ دولة من الدول العربية، خصوصا في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين التي استطاعت دول الخليج العربية انقاذها من ايران وادواتها المحليّة والإقليمية المعروفة في العام 2011.

 

بالنسبة الى لبنان، لم تقدّم السعودية سوى الخير. لا حاجة الى تعداد ما قدمته المملكة من مساعدات الى لبنان ولا حاجة الى تعداد عدد اللبنانيين الذين عملوا وما زالوا يعملون في السعودية وعدد العائلات التي تعيش بفضل ما يأتيها من معيلها الذي يعمل في المملكة. اللبنانيون الذين يعملون في السعودية ينتمون الى كلّ الطوائف والمناطق اللبنانية. لم تستثن المملكة أحدا. لم تفرّق في الماضي بين سنّي وشيعي ومسيحي ومسلم. اكثر من ذلك، كان السعوديون يشعرون انّهم في بيتهم عندما كانوا يأتون الى لبنان حيث امتلكوا شققا في بيروت وخارجها. ما الذي جعل الملك سلمان يتحدّث بالطريقة التي تحدّث بها أخيرا ويقول كلاما اقلّ ما يمكن ان يوصف به انّه تصويب مباشر على الهدف ووضع للنقاط على الحروف؟

 

يشير كلام الملك سلمان الى ان الكيل طفح في ضوء الاذى الذي يلحقه «حزب الله» بالمملكة انطلاقا من لبنان. ما قاله حسن نصرالله الأمين العام للحزب في حق السعودية وكبار المسؤولين فيها مسجّل بالصوت والصورة. اعتدى بوضوح ليس بعده وضوح على المملكة ورجالاتها. فوق ذلك، تحوّل لبنان الى قاعدة يعمل منها الحوثيون ضدّ السعودية. ليس سرّا ان فضائية «المسيرة» التابعة للحوثيين تبث من بيروت وليس سرّا ان الحوثيين يتدرّبون عند «حزب الله». ليس سرّا أخيرا وليس آخرا انّ بيروت هي ثاني اهمّ مدينة بالنسبة الى الحوثيين، بعد صنعاء.

 

قدّم الملك سلمان بن عبد العزيز خدمة ليس بعدها خدمة الى لبنان واللبنانيين. قال عنهم ما لا يستطيعون قوله. لذلك يستحقّ هذا لرجل الذي احبّ لبنان كلّ شكر وامتنان ومحبّة.

 

ليس غريبا قوله أيضا في خطابه: «إننا في المملكة انطلاقاً من موقعنا في العالم الإسلامي نضطلع بمسؤولية خاصة وتاريخية، تتمثل في حماية عقيدتنا الإسلامية السمحة من محاولات التشويه من التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة»، مضيفا «إن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، تجد بيئة خصبة للظهور والانتشار في الدول التي تشهد انقسامات طائفية، وضعفاً وانهياراً في مؤسسات الدول، وعلينا، إن أردنا أن ننتصر في معركتنا مع الإرهاب، أن لا نتهاون في مواجهة الدول الراعية للإرهاب والطائفية». هناك في الخطاب ربط مباشر بين الطائفية والإرهاب. هناك فهم في العمق للعلاقة بين الإرهاب من جهة واثارة الغرائز المذهبية التي هي في أساس المشروع التوسّعي الإيراني من جهة اخرى.

 

ما يكشفه الملك سلمان عبر خطابه انّ هناك فهما في العمق لخطورة السياسة الإيرانية. ما يكشفه ان هناك جرأة سعودية ليس بعدها جرأة. السعودية تعتبر نفسها في حال حرب دفاعية مع ايران. هناك هجمة عليها من اليمن ومن أماكن أخرى بينها لبنان. هل يفهم اللبنانيون ذلك ويتصارحون مع انفسهم ويدركون عمق المأزق الذي اوصلهم اليه «حزب الله» ومن خلفه ايران؟