IMLebanon

مبادرة الملك سلمان الأردنية: الاستراتيجية السعودية المتجددة

 

دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز العاجلة لعقد مؤتمر رباعي يخصص لإنقاذ المملكة الأردنية من أزمتها الاقتصادية، ليست سابقة جديدة في سياسة القيادة السعودية، ولكنها تُشكّل مبادرة أخوية وعملية للإعراب عن التضامن مع الأردن الشقيق، على المستويين القيادي والشعبي، بعدما هددت الاضطرابات الأخيرة الإطاحة بأمن واستقرار هذا البلد المحوري في القضية الفلسطينية، وتكرار المآسي التي اجتاحت العراق وسوريا وليبيا واليمن، بسبب تأخر التحرّك العربي نحو إنقاذ تلك البلدان قبل الانهيار الشامل.

ليس غير المملكة السعودية، بين المجموعة العربية حالياً، قادرة على اتخاذ مثل هذه المبادرة الإنقاذية، وبالسرعة اللازمة، وذلك انطلاقاً من مكانة الشقيقة الكبرى التي تهتم بسلامة الأشقاء حولها، فضلاً عن المسؤولية القومية والإسلامية التى تضطلع بها المملكة في النظامين العربي والإسلامي، واستعدادها الدائم لمد يد العون والدعم لمساندة الأشقاء والأصدقاء في القارات الخمس.

ونحن في لبنان نعرف قيمة مثل هذه الحمية الأخوية السعودية، سواء إبان سنوات الحرب السوداء، أم إثر الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، والتي آخرها في حرب تموز عام ٢٠٠٦، حيث سارعت المملكة إلى دعم الليرة اللبنانية، بعدما كادت أن تتهاوى في الأيام الأولى للعدوان، ثم حرصها أن تكون في مقدمة الأشقاء والدول الصديقة التي بادرت إلى لملمة الوضع اللبناني، وبلسمة جراح أطول حرب عرفتها المنطقة مع العدو الإسرائيلي، عبر المساهمة الأكبر والأضخم في إعادة بناء ما دمره القصف الصهيوني الحاقد للبنية التحتية، وتدمير عشرات القرى في الجنوب وآلاف المنازل في بيروت والضاحية، فضلاً عن الدعم المالي المستمر للدولة اللبنانية.

ولعله من المفيد تعريف الأجيال الشابة من اللبنانيين، بأن الديبلوماسية السعودية، بإشراف مباشر من عميد وزراء الخارجية العرب يومذاك، الأمير الراحل سعود الفيصل، هي التي قادت المعركة الديبلوماسية في المحافل الدولية ضد العدو الصهيوني، وتجييش التأييد الدولي لوقف العدوان على لبنان، توصلاً إلى إصدار القرار ١٧٠١ عن مجلس الأمن الذي نص على وقف العمليات الحربية فوراً، وتعزيز مهمة القوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني، وزيادة تعدادها وعديدها. هذا القرار الذي حافظ على الأمن والهدوء في المنطقة الحدودية، وأتاح للجنوبيين العيش بأمن وكرامة في أرضهم، بعد سنوات من التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية التي كانت تصبّ حمم الحقد على حقول ومنازل الجنوبيين وتتسبب بأفدح الأضرار.

المبادرة الأخوية لخادم الحرمين الشريفين بدعوة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، إلى اجتماع فوري يُعقد في مكة المكرمة، بحضور العاهل الأردني عبدالله الثاني، للبحث في الإجراءات الفورية الممكنة لتقديم الدعم الاقتصادي والمالي للأردن، لا تُعبّر عن إدراك كبير ومميز من قبل العاهل السعودي للمسؤوليات التاريخية التي تتحملها بلاده في إعادة تنشيط النظام العربي، وحسب، بل دحضت كل المزاعم والأكاذيب التي روّجت لها الدعايات المشبوهة، حول وقوف السعودية وأبوظبي وراء موجة الاضطرابات الأخيرة في عمان، والتي أدت إلى استقالة الحكومة الأردنية، ووضعت المملكة الهاشمية على مفترق طرق شديد الخطورة.

في حين أن المتابعين لأحداث الأردن يدركون جيداً أن التيارات الإسلامية التي تصدّرت حركة الاحتجاج في عمّان، ليست لها علاقة صداقة أو تعاون مع الرياض وأبوظبي، إذا لم نقل العكس، حيث ما زالت آثار التوتر تهيمن على العلاقات بين جماعات التيارات الإسلامية في الأردن مع القيادات السعودية والإماراتية، بسبب التباين الحاصل بينهم على خلفية ما تشهده المنطقة من حروب واضطرابات.

ويمكن القول أن الملك سلمان بن عبدالعزيز، بدعوته لمؤتمر مكة، إنما كان يُعبّر عن إرادة وأمنية كل عربي مخلص، يخشى أن تستمر النار المشتعلة في بعض دول المنطقة في الامتداد إلى أقاليم جديدة، وتدمير ما تبقى من أمن وآمال للأجيال العربية الصاعدة!

وهذه المبادرة أكدت، مرة أخرى، أن المملكة جاهزة دائماً للقيام بدورها الأخوي في مدّ يد الدعم والمساندة للأشقاء، ولبنان ليس بعيداً عن الاستراتيجية السعودية في نسختها الجديدة التي يُشرف عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شخصياً.