كانت العواصف عاتية قبل توليه المُلك. وكانت عاتية خلال عهده. هز الإرهاب العالم في مطلع القرن الجديد. وهز غزو العراق بعد عامين ركائز الاستقرار في المنطقة وتسبب لاحقاً في انطلاق شرارات وانهيارات وانقلابات.
وفي كثير من هذه الأحداث كانت السعودية معنية أو مستهدفة. كان هناك من يريد خطف الإسلام نفسه ودمغه بالتطرف ودفعه إلى الاصطدام بالآخرين. وكان هناك من يحاول زعزعة استقرار الداخل. وكان هناك من يحلم بانقلاب كبير في المنطقة يطوّق السعودية ويحجّم دورها العربي والإسلامي والدولي ويخفّض أهميتها الاستراتيجية.
في هذا المناخ اتخذ عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، قرار جبه العواصف وتأهيل المملكة لمواجهة التحديات. واستخدم في هذه المعركة سلاحاً حاسماً. إنه سلاح خيط الثقة الكاملة الذي ربطه بالمواطن السعودي العادي. وسلاح الصدقية في التعامل على المستويات العربية والإسلامية والدولية.
كان باستطاعة زائر الرياض أن يلمس نجاعة هذا السلاح. أول مصادر القوة هو شعور المواطن السعودي أن خادم الحرمين الشريفين يُشبهه. وأن صاحب القرار صديقه وصوته ومظلته. وكانت قرارات عبدالله بن عبدالعزيز تقرن التمسك بالثوابت بالقدرة على المبادرة، والحزم بالتسامح، والجرأة بالحكمة، والصلابة بالرحابة، والصرامة بالحوار.
في الداخل حرب على الفقر والبطالة والانغلاق عبر خطة إصلاح وتطوير اقتصادية واجتماعية وتربوية عززت الشراكة بين المواطن والدولة. وفي الخارج تعاون ندّي ومسارعة إلى تضميد الجروح العربية والإسلامية ونهج يقوم على الصراحة والثقة والحوار بين الأديان والحضارات والدول والجماعات. ولا يتسع المكان لتعداد العواصم التي التفتت في محنها إلى الملك بدءاً من بيروت ووصولاً إلى القاهرة.
نجح الملك في معركة الاستقرار والازدهار. وفي الارتقاء بمستوى التعاون الخليجي وتعزيز موقع السعودية في الإقليم والعالم. ونجح أيضاً في إرساء قواعد لديمومة هذا الاستقرار الذي بات اليوم في عهدة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.
شعور الخسارة بفقدان الملك الراحل عوّضه شعور الثقة بالضمانة التي يوفرها نهج من آلت إليه الأمانة. فما شهدته الرياض من قفزات في العقود الماضية كان بفعل سهر أميرها الذي استعان دائماً بسلاح الثقة المتبادلة مع أبنائها. كان دائماً حاضراً في شؤون الحكم والأسرة في ظل الملوك المتعاقبين وأولياء عهودهم، ما أكسبه خبرة واسعة في فنون الحكم والإدارة ومعالجة الاستحقاقات الداخلية والخارجية. وعلى قاعدة الصدقية نفسها بُنيت علاقاته الواسعة خارج المملكة.
يتولى الملك سلمان بن عبدالعزيز مهامه فيما تتلوى المنطقة على دوي العواصف والتوترات العابرة الحدود. اليمن. والعراق. وسورية. وليبيا. وأماكن أخرى. لكن الانتقال السلس الذي شهدته السعودية أمس يُجدد الرهان على دورها الكبير في ترسيخ نهج الاعتدال ولغة الحوار والتعايش والتعاون. فاستقرار السعودية ضرورة سعودية وخليجية وعربية وإسلامية ودولية. ولدى الملك الجديد رصيد واسع من الخبرة والثقة والصدقية وهي ما يصنع سلاح الملك.