IMLebanon

المملكة قالت كلمتها… وهذه هي الأسباب

على مَن يتابع حركة الموفدين اللبنانيين الى الخارج أن يقرأ بين سطور تصريحاتهم لفهم النتائج. فلبعض العبارات العربية تفسير لبناني خاص يختلف عن أيّ تفسير آخر. فالتنكر للزيارة مثلاً يترجم على أنها فاشلة، والقول إنّ الأمور لم تنضج بعد يعني أنّ الموفد سمع ما لا يرضيه، والدعوة الى التريّث تعني أملاً بالتغيير… وهذه هي الأسباب؟

اعتاد اللبنانيون فكرة وجود موفدين الى العواصم الغربية والعربية في مهمات حزبية ورسمية. فاستشارة الخارج في الشؤون الداخلية لم تشكل يوماً لدى اللبنانيين اعترافاً معلناً بنوع من الوصاية علماً أنّ كلّ التجارب السابقة تدلّل على العكس.

ورغم انتهاء الإحتلال الإسرائيلي عام 2000 وانسحاب آخر الجنود السوريين عام 2005 لم يقدم اللبنانيون نموذجاً واحداً لقدرتهم على حكم أنفسهم بأنفسهم، فتغيّرت اسماء أصحاب الوصاية وتبدلت هوياتهم واللغات وبقيت المهمة واحدة.

ويمكن اختصارها بطلب النصح أحياناً والوساطة أحياناً أخرى لعبور الأزمات التي تعيشها البلاد من فترة الى أخرى وممارسة الضغوط الممكنة لتقريب وجهات النظر والإلتقاء في منتصف الطريق سعياً وراء الحل.

وما أكدته هذه المهمة في نظر المراقبين أنها قدمت امتيازات لأصحاب المهمة ومَن كلّفهم بها لإدراة ملف من الملفات المفتوحة. وشكلت في معظم الأحيان إعترافاً لبنانياً بالفشل في إدارة شؤون البلد، فأقفلت ملفات قليلة وختمت أخرى على زغل، فيما بقيت أخرى جمراً تحت الرماد الى حين، والدلائل كثيرة عندما انتهى بعضها الى قهر فريق منهم وانتصار آخر لكنها وفي كلّ الحالات لم تدفع يوماً الى إستقرار دائم وطويل الأمد.

على هذه الخلفيات، توقفت مراجع سياسية عند ما انتهت اليه مهمات بعض الموفدين الى عدد من العواصم الغربية والعربية، فأشارت الى أنّ بعضهم كان شفافاً في نقل الرسائل سلبية كانت أم إيجابية وانتهت مهامهم في الحالين. ولكنّ بعضاً آخر منها ما زال يرغب اصحابه بتغليفه بقشرة رقيقة من الغموض لغاية في نفس المكلِف والمكلَّف معاً.

وتضع المراجع مهمات الموفدين العاملين على خط واحد من بيروت في اتجاه الرياض، في إطار المهمات الغامضة، فلا تكشف حقائق كثيرة

برزت لأسباب جوهرية تتعلق بحجم وصعوبة وحصيلة المهمة معاً ولفقدان اصحاب المهام في الخط المعاكس. فالقطيعة الديبلوماسية السعودية تجاه لبنان انضمت الى لائحة المقاطعين من المصطافين الخليجيين ورجال الأعمال والزوار.

فالموفدون اللبنانيون الى الرياض تبلّغوا في الفترة الأخيرة سلسلة رسائل بعضها كان ديبلوماسياً، فأشاروا الى أنّ الوضع في لبنان لا يعني القيادة السعودية في هذه المرحلة وليس على لائحة أولويّاتها. وقال آخرون كانوا أكثر صراحة إنّ لبنان بات رهينة في يد الإيرانيين و«حزب الله» ولم تعد لنا ثقة بأصدقائنا اللبنانيين بسبب العجز عن مواجهة الطرف الآخر، فيما تهرّب آخرون من استقبال الموفدين رغم انتظارهم ساعات أملاً بموعد لم يتحقق في بعض الحالات.

وفي كلّ الحالات، فقد بات بعض القادة اللبنانيين على علم بالموقف السعودي وأخذوا بما نقل عن وزير الخارجية عادل الجبير الذي قال إننا حملنا الرئيس سعد الحريري رسالة مفادها «قم بما تريده فأنت مسؤول في النهاية عن النتائج المترتبة على أيّ خطوة تقوم بها».

فيما تضمّنت آخر الرسائل تأكيداً لتلك التي حملها وزير الصحة وائل أبو فاعور قبل أسبوعين من مسؤول غير مدني، لجهة بقاء الموقف السعودي على حاله بـ«أننا لسنا من مؤيّدي مبادرة الرئيس الحريري الهادفة الى تسمية العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية»، وأنّ الوعد المقطوع له بالعودة الى رئاسة الحكومة ليس مضموناً عقب الهجمة التي تعرّضت لها المملكة بعد ما شهدته صالة العزاء في صنعاء وما واكبها من «طحشة» عسكرية على الساحة السورية، وهو ما قاد الحريري الى التريث لبعض الوقت في انتظار إشارة مغايرة لم تصل بعد.

وتزامناً مع مضمون هذه الرسالة السلبية، سُجّلت خطوتان لافتتان:

– الأولى ترجمتها زيارة رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الى عين التينة بمعزل عمّن أوحى ونصح بها أو سعى اليها. فالمهم أنها جاءت عقب عودة أبو فاعور من زيارته الثانية الى الرياض بساعات ليؤكد فرنجية استمرار ترشيحه وإن بقي نائب واحد معه، قاطعاً الطريق على رغبة عون بالتوجّه وحيداً الى قصر بعبدا. ولم ينس أن يدعو عون والنواب للنزول الى ساحة النجمة لإجراء العملية الإنتخابية بما تقتضيه الأصول الديموقراطية أيّاً كان الفائز، «فالمرشح الأقوى لم يتراجع يوماً أمام مَن لا يتقدمه».

– والثانية جاءت لتعزّز الأولى من خلال «تغريدة» القائم بالأعمال السعودي.

لا ينكر العارفون ما أحدثته الرسالة السعودية الثانية لأبو فاعور من صدمات لدى مَن تلقاها في لبنان وباريس وأكثر من موقع. فألقت بظلالها وما زالت على الحركة السياسية وتراجعت من بعدها كلّ السيناريوهات الإيجابية التي بُنيت على جلسة 31 تشرين الأول، وما زاد الطين بلة ما جاءت به خطابات الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله خلال اليومين الأخيرين من عاشوراء وتقديم ملفَّي تفعيل الحكومة وإحياء مجلس النواب على انتخاب الرئيس، لتسدل الستارة على امكان حصول الحريري على رضى سعودي بات رهناً بما يمكن أن تنتجه المواجهة العنيفة بلا أفق سياسي في اليمن وسوريا.

وزد على ذلك إن صحّ القول إنّ «حزب الله» ومن خلفه حلفاؤه في لبنان وسوريا لا يشاطرون عون سعيه الى إعادة الحريري الى السراي بأيّ ثمن، فتبادل حلفاء وحلفاء حلفاء الرجلين الفيتو على الإثنين معاً ودفعا بهما الى الهاوية مجدداً.

والى أن تتغيّر المعادلات الإقليمية، من الغباء الحديث عن انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة المقبلة. فقد بات الحدث مؤجَّل الى أجل غير مسمى. ومَن يعش يرَ؟!