تركّز الاهتمام حديثاً على المملكة العربية السعودية وما تقوم به من أدوار اقليميّة ودوليّة، تأتي في طليعتها العلاقة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية والمتمثلة بزيارة وزير الخارحية الايراني حسين أمير عبد اللهيان للمملكة واجتماعه بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ومن ثم ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز. وقد بحث الرجلان فرص المستقبل والعلاقات بين الرياض وطهران وسبل التعاون بين البلدين والعمل على تطويره.
هذه الزيارة أبرزت ثلاثة أمور أساسية:
1 – مدى الصدقية في الموقف السعودي الممثل بدعوة الملك سلمان بن عبد العزيز الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي لزيارة السعودية كي يكون التعاون كاملاً وشاملاً.
2 – اصرار ولي العهد على المشاركة شخصياً في التفاوض مع الوزير اللهيان ونقله من الرياض إلى جدة وفي هذا ابراز لمدى الالتزام السعودي بإرساء علاقات صادقة مع ايران.
3 – اعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين إلى سابق عهدها، بعد قطيعة استمرّت سبعة أعوام (منذ العام 2016) وقد تمّ ذلك بعد اتفاق مفاجئ تمّ التوصل اليه بين البلدين بوساطة صينية في آذار 2023. وقد جاء هذا الاتفاق استجابة لمتطلبات جيو-استراتيجية متعلقة بالنظام العالمي الجديد وقيام تحالف والأصح توازن على خط بكين – موسكو مروراً بطهران والرياض!
الموضوع الثاني في اهتمامات السعودية الاقليمية والدولية هو قضية الاتفاق بين السعودية واسرائيل الأمر الذي تعمل له الادارة الأميركية بل وتعتبره أهمّ انجاز سياسي تاريخي يمكن أن تحققه ادارة الرئيس جو بايدن. ومع أنّ اتفاقات وقّعت بين اسرائيل وعدد من دول الخليج العربية، فإنّ الأمر مع السعودية ليس بمثل هذه السهولة. إنّه يقوم على اعتبارات جيو- استراتيجية تصرّ السعودية على أن تقوم اسرائيل بتقديمها في أي اتفاق بين البلدين ومنها:
1 – احترام حقوق الشعب الفلسطيني طبقاً لمقررات مؤتمر القمّة العربية في بيروت 2002، وفيه الحل بالدولتين: الاسرائيلية والفلسطينية في الضفة والقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين.
2 – في هذا المجال يصطدم التياران اليمينيان المتطرفان في اسرائيل والضفة بما يضع رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين ناتنياهو في عين العاصفة.
3 – يؤكد البيت الأبيض أنّه لا يوجد بعد إطار عمل متفق عليه في ما يتعلق باتفاق يقضي باعتراف السعودية باسرائيل وبأن هناك حاجة لاجراء الكثير من المحادثات قبل الوصول إلى مثل هذا الاتفاق. ويرى نتنياهو بأنه سيكون خطوة كبيرة نحو انهاء الصراع العربي- الاسرائيلي. لكن الرياض تعتبر أنه سيعتمد أساساً على إقامة الدولة الفلسطينية.
4 – يؤكد مسؤولون في الأمن القومي الأميركي أن هناك أموراً كثيرة ينبغي مناقشتها في موضوع العلاقات السعودية – الاسرائيلية. ويؤكدون أنّ الرئيس بايدن وجّه دعوة إلى نتنياهو للاجتماع به في الولايات المتحدة ولكن من دون التأكيد بأنه سيكون في البيت الأبيض. وبحسب ما كشفه توماس فريدمان سيقترح بايدن على نتنياهو التزام اسرائيل عدم ضم الضفة الغربية إلى دولة اسرائيل. وبحسب الجيروزاليم بوست «هذا يبقي خيار الدولتين على قيد الحياة»!
الدور الآخر المميّز للسياسة السعودية هو الموقف من الحرب الروسية الاوكرانية. فالمملكة لم تأخذ موقفاً متحيزاً لأحد الجانبين في هذه الحرب. ولكنها بفضل ديناميتها ودورها في التأثير على الأحداث الكبرى، شاءت أن يكون لها رأي في هذه الحرب ولكن شريطة أن يكون رأياً موضوعياً. ولذا دعت ممثلي نحو أربعين دولة للاجتماع في المملكة بهدف دراسة موضوع الحرب الاوكرانية.
1 – طابع هذا الاجتماع هو علمي وليس سياسياً بمعنى مشاركة الباحثين والمؤرخين في تحليل أسباب هذه الحرب ومفاعيلها ونتائجها.
2 – الوصول إلى نتائج علمية – سياسية تسمح بوقف هذه الحرب وبإرسائها على أسس صحيحة تتجاوز الخلافات الشخصية والايديولوجية والقومية وتنطلق من حقائق التاريخ والجغرافية لتحكم على الجانبين المتواجهين بما ينبغي من صراحة قائمة على حقوق الشعوب في الاستقرار والاستقلال والسلام والحرية.
3- هذا المنحى العلمي في مقاربة الحرب الروسية – الاوكرانية لاقى صدى طيباً لدى المتحاربين وخصوصاً لدى الزعامة الاوكرانية التي اشادت بالمبادرة السعودية وبأهمية الأفكار والأدوار التي أبداها المشاركون في المؤتمر حول الحرب في أسبابها ومسارها ونتائجها وضرورة توقّفها انطلاقاً من الحقائق العلمية.
4 – إن الدعوة السعودية إلى عقد مثل هذا المؤتمر تؤكد على:
– ارتباط القيادة السعودية بأحداث العالم.
– اعتماد القيادة الموضوعية والعلم في التعاطي مع الصراعات الدولية.
– التأكيد على كونها قيادة سلمية وعلمية في آن فهي لا تشجع الخلافات والحروب بين الشعوب والأمم بل تعمل لارساء أسس السلام والتفاهم بينها.
بالاضافة إلى دورها البارز والمميّز في السودان، حقناً للدماء ووقفاً للحرب ودعماً للمعوزين والجائعين، تواجه القيادة السعودية تجربة جديدة تتمثل في ما يحصل الآن في دولة باكستان من تعد على الأقلية المسيحية في عبادتها ومراكز عبادتها. لذا يأمل الكثيرون في العالم أن تنطلق المملكة من قاعدة فكرية انسانية كبرى هي «الوثيقة حول الأخوّة الانسانية…» التي تبناها البابا فرنسيس والشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر كي تكون دستور الانسانية في القرن الحادي والعشرين. فهذه الوثيقة تدعو إلى نشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش واكتشاف قيم العدل والخير والجمال والأخوة الانسانية والحياة المشتركة ووقف ما يشهده العالم من حرب وصراعات وانحدار ثقافي واخلاقي، وهي قيم ينبغي أن تسود في العالم أجمع بما في ذلك باكستان