بين ساحة النجمة والربوة والحدود الجنوبية يتوزع المشهدان السياسي والامني. على الحدود المترنح مصيرها بين الحماوة والتبريد المطلوب دوليا، لم يسجل ما يؤشر الى تهدئة وشيكة، ولو ان العمليات العسكرية تراجعت نسبيا نتيجة عوامل عديدة من طقس وتكتيكات فرضتها التحركات الميدانية. اما سياسيا، فبعد ان “شال” ابو مصطفى بالتعاون مع السرايعن “ضهره” حمل “الموازنة الكارثة”، يركز جهده على الملف الرئاسي، الذي عاد الى الواجهة، بوصفه المفاوض المحلي باسم المحور وقواه.
ففي وقت تؤكد فيه مصادر الايليزيه ان لا موعد محدد بعد لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي الى بيروت، بعد ظهور اعتراضات داخل “الخماسية” وعدم رضى حول ادارته لملف التفاوض، والديبلوماسية “الزائدة” التي يتعامل بها مع الاطراف، اندفعت المملكة العربية السعودية في هجوم مباشر على الساحة اللبنانية، مستعيدة المبادرة، نتيجة مجموعة من العوامل، يلخصها مصدر عربي بالاتي:
– نجاح المملكة في النأي عن نفسها في ملف الحرب على غزة، وتفويض جزء من دورها الى مصر.
– استثمارها للاتفاق التي عقد بينها وبين الجمهورية الاسلامية برعاية صينية، ما سمح لديبلوماسيتها بعرض تأدية دور الوسيط بين واشنطن وطهران.
– تحييد الرياض نفسها نتيجة اتفاق بكين، عن الصراع في البحر الاحمر، اذ قامت الفترة السابقة على استهداف الحوثيين وتوجيههم الضربات النوعية ضد المملكة والامارات، في محاولتهم الضغط على الولايات المتحدة الاميركية، وهي ورقة ما زالت حتى الساعة خارج الصلاحية.
– تمكنت العربية السعودية من اعادة سوريا الى الحضن العربي من خلال الدور الحالي لدمشق، بالتعاون مع موسكو، اذ حيدت دمشق نفسها عن الجبهات المشتعلة من العراق الى لبنان، رغم محاولة توريطها في الهجوم الذي حصل ضد قاعدة اميركية على الحدود مع الاردن، وادى الى سقوط عسكريين اميركيين بين قتيل وجريح ، وعدت واشنطن بالانتقام لهم.
ازاء هذه الواقع، تتابع المصادر ان الرياض وجدت الفرصة لديها لاعادة القيام بدور سياسي على الساحة اللبنانية، “بقبة باط” من “لخماسية”، قد يسمح لها في اطار التغييرات الحاصلة في موازين القوى، بالتوصل الى تمرير تسوية رئاسية لبنانية تعوض عليها الفترة السابقة، كمكافأة من طرفي الصراع غير المباشر ، أي طهران وواشنطن، خصوصا في ظل تراجع الدور القطري وسقوط مبادرته.
وتشير المصادر الى ان استراتيجية الرياض تنطلق من “تحالفها” مع بكركي لتأمين الغطاء المسيحي لتسويتها التي يمكن ان تتوصل اليها من جهة، ومن جهة ثانية، اعادة تفعيل دور دار الفتوى لجمع النواب السنة، الذي لا يستهان بحجمهم لتمرير أي تسوية ممكنة.
وفي هذا الاطار، اكدت المصادر ان كلام السفير البخاري منذ ايام حمل رسائل ترغيب الى الثنائي الشيعي، عند تأكيده ان المملكة لن تسمح بسقوط الهيكل اللبناني وانها ستقدم كل الدعم اللازم للبنان، وختمت المصادر، بان الاجواء الحالية لا تزال تراوح عند المربع نفسه، وان التحركات الجارية هي من باب “التحمية”، بعدما باتت صورة المرشحين والاستحقاق اكثر وضوحا، معتبرة ان فصل ملف لبنان عن غزة هو اول غيث التقدم، في ظل تأكيد حارة حريك حتى الساعة ان لا بحث رئاسيا قبل انتهاء حرب غزة وظهور نتائجها.