عندما حاول الرئيس سعد الحريري بعد لقائه السري بالعماد ميشال عون في روما، الذي أفشاه عون في ما بعد، أن يقنع المملكة العربية السعودية بتأييد انتخاب العماد عون، تصدى وزير الخارجية الاسبق الامير سعود الفيصل للمسعى الحريري الذي أجهض الى حين ليعاد انتخاب عون بما سمّي تسوية رئاسية لم تمانع بها السعودية ولكن على مضض، فتبين بعد ست سنوات أن عون لم يتحرك الى الوسط قيد أنملة، بل بقي في مربع «حزب الله»، وغطى برئاسته كل ما فعله الحزب، حتى أن جبران باسيل امتنع عن ادانة اقتحام السفارة السعودية في طهران، وكان هذا درساً للمملكة بليغاً، الى درجة أن كل من سوّق لخيار عون تم تدفيعه الثمن، لذا لم يتبق من المراهنين على تكرار تجربة عون الا بعض المغامرين الذي يعرفون ان زمن العودة الى التسويات الخادعة قد ولّى.
إنه نهج سعود الفيصل، المستعاد بمدرسة حكم جديدة في الرياض، لا تعرف المساومات في السياسة ولا المجاملات، ولا بيع الاوهام بل الكلام الواقعي الذي يترجم بالافعال، تحت طائلة الحكم على المتكلمين لمجرد الكلام، باللغو وإضاعة الوقت من دون طائل.
تحركت السعودية لبنانياً وفق مجموعة من قواعد العمل الجديدة، التي لا تنتمي الى مدرسة الماضي، أهم هذه القواعد يمكن اختصارها بنمط عمل يقوم على التعامل مع الملف اللبناني، من النقطة الصفر، أي من دون التأثر بأخطاء الماضي، او التردد تبعاً لما اكتشفته المملكة من غرائب وعجائب في سلوك سياسيي لبنان وتكتيكاتهم المكشوفة، او الاندفاع في سياسات غير مدروسة تؤدي الى الدخول في حقل ألغام لا يمكن الخروج منه الا بأضرار بالغة.
كانت اشاعة مطالبة السعودية بالعماد جوزاف عون أول الاختبارات. فقد أريد منها استدراج المملكة الى ملف الانتخابات الرئاسية، من باب تفضيل اسم على آخر، لحرق الاسم ولإحراج من سمّاه، لكن السعودية وعلى الرغم من العلاقة الاكثر من ممتازة التي تربطها بقائد الجيش نأت بنفسها وابتعدت بهدوء، ما أفشل الاستدراج، وما أبقى قواعد العمل التي وضعت على ثباتها.
قواعد العمل هذه ترجمتها السعودية ببيانها المشترك مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، الذي وضع معايير التعامل مع الملف اللبناني، بالتشديد على الدستور والسيادة ومواصفات الرئيس المقبل، والمواصفات تتجاوز الاسم الذي يفترض ان تنطبق عليه هذه المميزات، لا ان يتم اختياره كي يكون مجرد مدير للأزمة لست سنوات مقبلة.
قواعد العمل الجديدة، ترجمتها السعودية بالوقوف وراء دار الفتوى في وضع أول برنامج عمل للنواب السنة، تمهيداً لفرز من يتناغمون مع هذا البرنامج ومن يعملون تحت سقف أجندة «حزب الله»، فللمرة الأولى تنجح دار الفتوى في لمّ شمل النواب السنة، وفي التأسيس لموقف الأغلبية منهم دعماً لمرشح واحد للرئاسة، وليس تفصيلاً غياب شخصيات سنية مشاركة في السلطة عن لقاء دار الفتوى، فقد طالب البعض من هؤلاء بحضور الاجتماع لكنهم جوبهوا بالرفض.
قواعد العمل الجديدة ترجمتها السعودية اخيراً وليس آخراً، بالتنسيق مع فرنسا على تقديم المساعدات للبنان، حيث يجب أن تقدم، كما بالتنسيق مع فرنسا على انتخاب رئيس جديد لكن ليس وفقاً لشروط ايران، وليس استمراراً لما سبق ورافق انتخاب عون، فتلك مرحلة انقضت، والتسويات التي تقوم على اعطاء أولوية انتخاب الرئيس على «من هو هذا الرئيس»، انتهت الى غير رجعة.