IMLebanon

المملكة للعالم: هذا انتقال الحكماء

لم يكن غريباً ان يأبى الملك الراحل حتى في يوم رحيله الا ان يقدم المملكة العربية السعودية الى أهلها والعالم من خلال آخر مآثره الكبرى بمشهد انتقالي حرص بنفسه على وضع كل أطره بما يكفي لإثبات كون حكم الحكماء في المملكة هو النهج التاريخي والمستقبلي الذي لا محيد عنه. بين الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز ذي القامة الاستثنائية والانجازات التاريخية وصاحب المبادرات والايادي البيض على الاديان والحضارات، والملك الخلف سلمان بن عبد العزيز ذي السجل المشرق الذي تحمل بصماته العاصمة الملكية الرياض بكل معالم الاعمار والتطور، قدمت المملكة في يوم الوداع الكبير ويوم الانتقال السلس للحكم ما يليق بنهج القادة التاريخيين ودور المملكة الواسع والمؤثر والمحتضن للثبات والاعتدال كما المواجه لكل آفات التطرف والارهاب، وأثبتت انها الحجر الثقيل الذي لا تقوى عليه كل محاولات التشويه والاستهداف لوجهها العربي ودورها الذي لا توازن عربياً واقليمياً ودولياً من دونه.

انتقال بين الحكماء ماذا ترانا نقول عنه نحن اللبنانيين، الذين مثلما كان لنا في قلب الملك السلف الراحل الكبير موقع استثنائي خص معه لبنان حتى الرمق الاخير بالمبادرات المتعاقبة والايادي البيض المغداقة بخير المحبة والدعم ، لنا الثقة والامل الكبير في ان لدى الملك سلمان ما يوازي تلك اللهفة على بلد أثبتت المملكة منذ نشوء العلاقات بين البلدين وخصوصا منذ دورها الحاسم في وضع حد لحرب الآخرين على لبنان وانبثاق اتفاق الطائف التاريخي من أرضها، انها الحاضن العربي الاكبر لفكرة لبنان الحضارية المتعددة الدين؟ ذاك الاحتضان نفسه ترجمه الملك عبدالله في مبادرته التاريخية في اقامة مركز الحوار بين الاديان كما لو انه يثبت عمق ايمانه برحاب الديانات وتعاليمها السمحة المنفتحة التي تناهض آفة التطرف، وكرس الجانب الاوسع من جهده لإشاعة مفهوم الاعتدال في مواجهة الارهاب المتلبس زوراً لبوس الاسلام.

وماذا ترانا نقول عن المملكة ولبنان في عهد الملك الراحل الذي ما انفك يعلن للبنانيين والعالم العربي والغربي ان استقرار لبنان هو من اولويات المملكة، بدليل اندفاعه من دون هوادة في اطلاق المبادرة تلو الاخرى لدعم الاقتصاد اللبناني بترسيخ نهج المساعدات السخية للبنان في كل القطاعات، ومن ثم في تخصيص الجيش اللبناني بالهبات المتعاقبة وآخرها هبة المليارات الثلاثة عبر التسليح الفرنسي، ومن ثم هبة المليار دولار الفورية التي تولاها الرئيس سعد الحريري عقب مواجهة عرسال لتمكين الجيش من الصمود والمواجهة ؟ ولعلها ليست مصادفة ان يتسلل الارهابيون امس تحديدا، تحت جنح الظلام وبعد ساعات قليلة من نبأ رحيل الملك عبدالله، الى محاولة استهداف جديدة للجيش والحدود، كأنهم كما كل عدو متربص بلبنان يختبرون هذا البعد الكبير في استشعار لبنان فقدانه صديقه الكبير.

نقول ذلك ونحن من معظم اللبنانيين الذين لا يساورهم أدنى شك، في ان القيادة الجديدة للمملكة بقيادة باني الرياض الحديثة الملك سلمان لن تكون الا وفية وثابتة على نهج الملك عبدالله واسلافه في دعم لبنان كخط استراتيجي لها في حماية تجربته الحضارية الفذة. كما لا يفوتنا البعد الاوسع والاهم في كون المملكة، التي قرنت حزنها على الملك الراحل بمشهد انتقالي متماسك ورصين وهادئ بكل رباطة الجأش التي يقتضيها الحدث، قد قالت كلمتها المدوية في وجه الخصوم المتربصين بها كما طمأنت الاصدقاء والحلفاء الذين يراهنون على دورها المستمر والوازن في منع انجراف المنطقة الى أحاديات اقليمية جارفة تسعى بمشاريعها الاختراقية المعروفة للدواخل العربية الى تغيير هوية هذه المنطقة واستباحتها للمصالح البعيدة عن كل بعد عربي.

في المملكة أمس لم تكن القاعدة السائدة “مات الملك عاش الملك” هي قاعدة الانتقال، بل كان انتقال الحكماء وبين الحكماء.