المنتصران والمسيطران على الأرض في سوريا هما تركيا وإسرائيل
يحلو لدبلوماسي أوروبي سابق تولّى مناصب ومهمات عدة في الشرق الأوسط، أن يعلن أمام محدثيه أن مخطط هنري كيسنجر انتهى في جانبه المتعلق بإشعال الصراعات المتنوعة على الساحتين العربية والإسلامية لخدمة إسرائيل، ولا سيما على خلفية الخلاف المذهبي السني – الشيعي، وكانت مساهمة المخطط الكبيرة في التخلص من الشاه محمد رضا بهلوي وترتيب عودة الامام الخميني إلى إيران، ليمسك بالسلطة فيها وليفتح باب النزاعات على خطوط عدة، تحت عنوان تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية.
ويقول هذا الدبلوماسي إن الصراع حُسم بنسبة كبيرة من خلال تقطيع معظم أوصال محور الممانعة، وإعادة التوازن بالحد الأدنى إلى المنطقة، لا سيما بوجود ما يشبه قراراً دولياً بتعويم لبنان وجعله قابلاً للاستقرار بعيداً من مسلسل الحروب والهزات الدورية، وعبر إسقاط نظرة كيسنجر التي طغت طويلاً على التعاطي مع لبنان كـ “بلد هش التركيب وقابل للتنازع والانقسام”. لذلك، يقف لبنان اليوم عند تقاطع خطوط عدة. ويعتبر الأميركيون بالدرجة الأولى، أن لبنان بلد قابل للحياة، ويمكن أن يكون موقعاً متقدماً وموثوقاً للحضور الغربي في المشرق.
ويعتبر الدبلوماسي المخضرم أن انحسار النفوذ الأصولي الشيعي، لا يعني بروز النفوذ الأصولي السني كبديل، فالأصوليتان كلتاهما إلى احتواء. ولا يمكن فهم التحوّل في سوريا ،إلا من خلال شروط وضوابط رتبها الأميركيون.
ويلفت إلى أن سقوط نظام بشار الأسد أصاب ثلاثة عصافير بحجر واحد: فهو كرّس قطع آخر الآمال أمام حركة “حماس” بإعادة الرهان على دمشق كمقر و”غرفة عمليات خلفية”، وقطع الهواء عن “حزب الله” مع كسر هلال الهيمنة الإيرانية في منتصفه، وقضى في الوقت عينه على الدعامة الأبرز لمحور الممانعة والمتمثلة بنظام الأسد.
ويضيف: اليوم، المنتصران والمسيطران على الأرض في سوريا هما تركيا وإسرائيل، في تقاطع مصالح غطى على الخلافات المتراكمة بين إسرائيل وتركيا، وبخاصة بين بنيامين نتنياهو ورجب طيب إردوغان.
فتركيا لها مصالح سياسية من خلال رعايتها الفصائل السنّية، وسعيها إلى احتواء الانفلاش الكردي وتداعياته، لكن لها أيضاً مصالح اقتصادية قد تكون بأهمية السياسية أو تفوقها، لأن سوريا تمثل سوقاً مهمة للمنتجات التركية من جهة، وفرصة مهمة للاستثمار، إذ بدأت شركات تركية بالجملة تجس النبض وتنكب على قراءة فرص توظيف قدراتها في اقتصاد يحتاج بقوة إلى إعادة الإعمار.
أما إسرائيل فهي معنية بتأمين حماية حدودها الشمالية الشرقية عبر هضبة الجولان وصولاً إلى هدفها الأبرز وهو التطبيع مع سوريا، على غرار ما هو حاصل مع مصر والأردن.
وتقول أوساط دبلوماسية لبنانية، إن سوريا كما يبدو ماضية نحو استعادة حد أدنى من الديمقراطية في موازاة تكريس التعددية واحترامها وفق ضوابط معينة قابلة للبحث بضمانات أميركية، باعتبار أن الأميركيين يشكلون المظلة العليا للنفوذين التركي والإسرائيلي.
وتضيف أن لبنان في ظل المعادلة الجديدة، يشكل متنفساً لسوريا، كما أن لبنان يجد في سوريا الجديدة مدى حيوياً له، اقتصادياً وتجارياً، في إطار احترام استقلال كل من البلدين.
وتلفت إلى ارتياح عربي واسع للتغيير الحاصل في سوريا ولبنان، وإن لم تنضج عوامل هذا التغيير بعد، في وقت يبدي عضو اللجنة العربية الثلاثية التي أشرفت على الإعداد لاتفاق الطائف وإنهاء الحرب في لبنان الأخضر الابراهيمي، ارتياحه العميق للتغيير على الساحة السورية واستعادة الخيار العربي ألقه بالنسبة لكل من لبنان وسوريا.
وتختم بالتأكيد أن المرحلة المقبلة ستكون أكثر وضوحاً حيال لبنان، سواء أميركياً أو فرنسياً، فمع دونالد ترامب، سيتم ترسيخ القضاء على آخر تداعيات مفاهيم باراك أوباما، ومع رئيس الحكومة الفرنسية الجديدة المخضرم فرانسوا بايرو سيتم دفن الماكرونية الملتبسة والتي ركزت على تعاط متمايز مع إيران، وعلى التقليل من أهمية التنوع الديني والثقافي، باعتبار أن بايرو يؤمن بالديمقراطية التي تحافظ على الأقليات وحقوقها، وهو ما سيعزز مقاربة أكثر مبدئية وموضوعية مع الشأن اللبناني.