الشهيد وسام بليق، الذي اغتالته رصاصة واحدة محشوّة بالغدر والإجرام، فأدخلته في موت سريري، لم يلبث بعده أن فارق الحياة. في منتصف ليل يوم السبت المشؤوم تسللت إليه الرصاصة المجنونة، مجهولة المصدر والغاية والمقصد، إلى قلب سيارته، متجاوزة والدته وخالته في المقعد الخلفي، وزوجته وأحد أطفاله الثلاثة في المقعد الأمامي، ومتناولة أغلى وأهمّ ما كان منطلق حياته: دماغه، الذي اخترقته الرصاصة الغادرة في رأسه وخرجت من عينه، بعد أن سلبته الحياة، وبهذا الموت الآتي إليه وإلى أولاده وعائلته من المجهول المجرم، بانتظار أن تثبت التحقيقات الجنائية تلك الحقيقة التي أطلقت في رأسه حكماً غيابياً بالموت الفوري الساحق.
وسام بليق، أذكره وأخصُّه بهذا التعليق، لأن وضعيته تلامس حتى الآن زاويتين ملتبستين في توصيفهما الوطني والقانوني.
هو أولاً، من يمكن تسميته بالرجل الإعلامي الملاحق لأخبار ناديه، والمصمم على تغطيتها بدقة وشمولية وإبهار، هو ذلك الإنسان الخلوق المتفجر حبّاً وولَهاً بنادي حياته… نادي النجمة الذي يواكبه في اهتمامه ليل نهار وينقل أخباره من خلال موقع ناديه الإلكتروني بصفحته الرسمية، حيث عهدت إليه إدارة النادي الذي لي شرف رئاسته، بتولي شؤون هذا الموقع، فتحمّل مسؤوليته بكثير من الدراية والحكمة والنجاح الإعلامي، وجمهور نادي النجمة إضافة إلى جمهور كرة القدم في لبنان يشهدون له بتحمل هذه المسؤولية الدقيقة والمرتبطة بأجواء وأمواج جمهور النادي الممتدة على مستوى الوطن كله.
وهو ثانياً، نموذج للمواطن اللبناني الصالح والبريء من أدران ومساويء يحفل بها هذا الوطن المتراجع إلى حدود الإجرام والجريمة الكاملة.
وسام، قضى بهذه الرصاصة التي يبدو أنها أطلقت عليه من بعد أمتار قليلة، دون أن يصدر عنها صوت لافت، بل أدّت فورا إلى موت إنسان مسالم، همه الدائم والمستمر، مرتبط منذ نشأته بناديه وبلعبة كرة القدم، حتى لبات أحد مراجعها، خاصة لجهة الأرشيف الرياضي الضخم الذي يملكه والذي يصعب أن يكون هناك مثيل له عائد لأي موقع آخر. إن جميع الدلائل الحسّية في مكان الجريمة وفي قلب السيارة ترجح أن هناك جريمة قد ارتكبها مجرم محترف.
وقد يكون الحدث الخطير نتيجة لرصاصة طائشة، طاولته، (الأمر الذي تنفيه الدلائل القانونية والمنطقية) فكان مثله مثل مئات المواطنين أطفالا ونساء وشبابا وشيوخا، قضوا نتيجة لهذا الجنون الذي يسكن في نفوس وعقول بعض المواطنين المدججين بسلاح «قضية» ما، يعتقدون أنهم بإطلاق الرصاص العشوائي، يخدمونها ويدفعون بها إلى الأمام، وهم في الواقع لا يعبّرون بهذه الوسيلة الجنونية الاّ عن طبع همجي وجنوح نحو العنف المفرط، وتخلّف في التفريق بين ما يسمونه «بالحماس الوطني» وبين التصرف الهمجي واللّا أخلاقي الذي لا يأبه بأرواح الناس وبمصيرهم ومصير عائلاتهم، خاصة إذا ما كانت مؤلّفة من أطفال لا معيل لهم ولا معين، إلاّ ذلك الوالد العصامي الذي انطلق إلى معترك الحياة الصعبة القاسية والكريمة والسليمة فقتلته رصاصة كائنا ما كان وصفها واستهدافها.
استمعت بالأمس إلى احدى الناشطات الإجتماعيات وهي تعلن أن الرصاص الطائش قد طاول خلال عام مضى ما يناهز الأربعماية ضحية!… قضوا كرمى لعيون أولئك الذين لا عيون لهم ولا وجدان ولا ضمير.
وعليه، إن طبيعة هذا الحدث الجلل الذي طاولنا جميعا بأثره المفجع وألمه العميق، خاصة إذا اعتبرناه نموذجا مؤلما لحالة إجرامية متفشية في مجتمعاتنا اللبنانية، وهي تستدعينا إلى التساؤل:
هل الإصابة المباشرة التي طاولت المرحوم وسام في رأسه على النحو الذي ذكرناه في المقدمة، هي فعلا وحقيقة، نتيجة عمل إجرامي، يكاد إلاّ يُصدّق إرتكبه مجرم ما لسبب ما، ما زال حتى الآن مجهولا، وهذا الأمر يستدعي جهدا إستثنائيا من قوى الأمن الجنائي توصلا إلى حقيقة ثابتة لا بد وأن يلقى المجرم قصاصه العادل من خلالها بصورة علنية.
أم أن هذه الجريمة ، ونصرّ على اعتبارها جريمة قد حصلت في مطلق الأحوال، نتيجة لذلك الفلتان الأمني شبه الدائم الذي يعاني منه لبنان بأسره، من خلال عمليات إطلاق الرصاص بصورة عشوائية، بمناسبة وبدون مناسبة، وهو أمر يستدعي إهتمام المسؤولين التربويين ومعالجات إجتماعية ونفسية تلجم هذا العنف المجنون وهذه الممارسات المجنونة غير المسؤولة، والتي تطاول المجتمع اللبناني بأسره، دون أن ننسى وجوب تطوير المعالجات الأمنية بحيث يشعر مطلق النار المتفلّت، أن هناك حدودا لتفلّته وأن هناك عقابا قانونيا رادعا، يحمّل هؤلاء الذين «يتسلّون» بإطلاق النار على المصابين والمنكوبين من المواطنين الأبرياء، نتائج ما اقترفته أيديهم من جرائم، ربما كانت غير مقصودة، إلاّ أن هناك أمثالها من الجرائم التي تعادل أو تكاد، الجرائم الحقيقية التي ارتكبت عن سابق تصور وتصميم.
الأمر لم يعد يحتمل سكوتا ونوما على حرير التهرّب من المسؤولية والإهمال في إيقاع العقاب. إن امتداد أمثال هذه الجريمة وهذا الجرم على مدى زمني يتكاثر في زمنه وأثره ونتائجه الخطرة، بات ظاهرة لا تحتمل التأجيل في معالجتها على كافة الصعد الأمنية والإجتماعية والتربوية والإنسانية. المؤسف جدا في حالة المرحوم وسام، أن الجريمة البشعة قد طاولت ذلك الشاب الخلوق الملتحق في إطارات الرياضة وشؤونها وشجونها ولا تربطه بمزالق الخلافات الإجتماعية أو السياسية أية روابط، آملين أن تكون مأساته نهاية للمآسي الكبيرة التي يعاني منها هذا الوطن المنكوب والتي تؤدي إلى سقوط الأبرياء، ضحايا التصرفات الإجرامية التي تتلاعب فيها النيران العشوائية بأرواح الناس.
كفى… فالأعمار ليست «بعزقة» بأيدي الأشقياء، كائنا ما كان نوع الجريمة وأسبابها، الأعمار بيد الله وحده، وعلّنا جميعا أن نبقيها بيد بارئها عزّ وجلّ بعيدا عن عبث العابثين، وإجرام المجرمين.