أين كنا وأين أصبحنا، يكفي ان يتأمل المرء في الملفات الساخنة التي فرضت حضورها الثقيل والمقلق على قمة مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في الرياض، لكي يقول: فعلاً تكسّرت الجروح على الجروح.
فإذا كانت القضية الفلسطينية قد شكّلت دائماً محور المؤتمرات العربية منذ قمة أنشاص عام ١٩٦٤ وكانت دائماً عنوان النقاشات والهموم، فإننا نواجه اليوم مجموعة من القضايا المصيرية والأزمات الخطيرة والمعقدة، التي قد تتمخض عن نكبات جديدة قد تضاف الى نكبة فلسطين، والتي تتطلب موقفاً واحداً ورؤية مشتركة بين الدول العربية وهذا يبدو من المستحيلات.
اننا في مرحلة من الإنهيار التراجيدي، الذي قد يدفع تقريباً نحو تغيير جذري في الحدود والكيانات والهويات، وهو إنهيار يمكن ان يفضي في النهاية الى إعادة تفصيل الدول دويلات وكيانات جهيضة على قياس المذاهب والقبائل والطوائف والأفخاذ.
من المحيط الى الخليج ليس من مساحة هادئة، تكفي نظرة الى الحرائق السياسية والعسكرية والى الفوضى الأمنية الضاربة لكي نعرف ان الخرائط لن تتحمل كل النيران، وان النسيج الوطني الواهي آخذ في التمزق، خصوصاً ان الصراع السياسي الذي عرفناه دائماً داخل الملعب العربي بات يتأجج على نار الضغائن المذهبية والطائفية والعشائرية.
وإذا أضفنا الى هذا المبارزات القاتلة التقاطع الإقليمي المتصاعد بين ايران وتركيا والذي لا يخلو من هذه الضغائن المتصلة بأطماع ورغبة في الهيمنة والتوسع، ثم تأملنا في الرياح الدولية المتقاطعة بين روسيا وأميركا في سياق محاولات واضحة لاعادة كتابة الحدود الجيوسياسية في المنطقة كلها، وفق توازنات جديدة في ضوء سياسة الانكفاء الأميركي في الإقليم، يصبح من المفهوم لماذا تتراكم الكوابيس ويتصاعد الخوف من السكاكين التي يمكن ان تمزق الكيانات كما تتمزق الشعوب.
على خلفية كل هذا تعمّد أمير قطر الشيخ تميم وهو يسلّم الرئاسة الدورية للقمة الخليجية الى العاهل السعودي الملك سلمان، ان يراكم في خطاب شامل ومفصل الملفات الساخنة والقضايا المصيرية التي تواجه الخريطة السياسية والكيانية العربية كلها تقريباً، لعلمه ان معظم الدول العربية تغرق في جروحها من دول المغرب العربي الى اليمن مروراً بسوريا والعراق ولبنان، بما يحدِث صفاً من الجروح الى جانب القضية الفلسطينية، ويفرض على دول مجلس التعاون الخليجي دوراً دقيقاً وحساساً على الأقل لجهة تحييد البيت الخليجي وصونه وبذل الجهد لإطفاء النار المندلعة في سوريا والعراق وليبيا واليمن والتي تتهدد المنطقة كلها.
وإذا كان الملك سلمان تعمّد تكرار مخاطبة العالم بأن الإرهاب لا دين له وان القضاء على الإرهابيين الذين يحاولون خطف الاسلام وتشويه صورته مسؤولية شاملة، فإن الشيخ تميم طالب صراحة بحرب دولية منهجية تقضي على آفة الإرهاب المقيتة.