Site icon IMLebanon

وزير يليق بـ”عهد حزب الله”  

 

 

ليس ما يعكس درجة الانحطاط التي بلغها لبنان أكثر من وجود جورج قرداحي في موقع وزير الإعلام، وأن يخرج بالكلام الذي قاله عن اليمن وغير اليمن. ليس مثل هذا الوجود الذي يرمز إلى الاحتلال الإيراني، الذي أراد إعطاء جائزة ترضية إلى النظام السوري عن طريق توزير أحد التابعين له، سوى تعبير عن واقع. يتمثّل هذا الواقع في انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة في 31 تشرين الأوّل –أكتوبر 2016. كلّ ما تبقى، إثر ذلك، مجرّد تفاصيل بعدما صارت إيران، عبر لواء في “الحرس الثوري” تقرّر من هو رئيس جمهورية لبنان الماروني. جورج قرداحي نتيجة وليس سبباً.

 

لم يكن هذا التطور الذي لم يستطع كثيرون، من بينهم الدكتور سمير جعجع رئيس حزب “القوات اللبنانية” استيعاب أبعاده في حينه، سوى منعطف في غاية الخطورة، بل بين أخطر المنعطفات، على الصعيد اللبناني. كان لا بدّ في المرحلة التي سبقت انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة من محاولة فهم خطورة ما يعنيه أن يكون “حزب الله”، من يُقرّر من هو رئيس الجمهورية اللبنانيّة. ما نشهده اليوم هو انبطاح يومي من جبران باسيل، صهر رئيس الجمهوريّة، لإثبات أنّه قادر على أن يقدّم لـ”حزب الله” ما لا يستطيع أحد غيره تقديمه، وأنهّ خير خلف لخير سلف  وقّع وثيقة مار مخايل في السادس من شباط –فبراير 2006  بغية إثبات أن في استطاعة طرف مسيحي يمتلك أكبر كتلة نيابيّة السير في غير مصلحة لبنان. لم تكن إيران، صاحبة مشروع تمدّد “الجمهوريّة الإسلاميّة” تحلم بذلك في يوم من الأيّام.

 

يذهب جبران باسيل، في تزلّفه لـ”حزب الله”، إلى أبعد حدود في مهاجمة سمير جعجع وشيطنته، علماً أنّ هناك ما للرجل، وهناك ما هو عليه. لا يمكن تحميل رئيس “القوات اللبنانيّة” مسؤولية سقوط ضحايا في أحداث عين الرمّانة يوم الرابع عشر من تشرين الأوّل –أكتوبر 2021. وحده تحقيق مستقلّ يمكن أن يحدّد ما الذي حدث يومذاك. لكنّ الأكيد أنّ عين الرمانّة لم تعتدِ على أحد، بل كان معتدى عليها وعلى أهلها. ما حدث يجسّد ممارسات طرف يمتلك فائض القوّة وسلاحاً ميليشيوياً في خدمة مشروع مذهبي يعتبر لبنان بمسيحييه ومسلميه مجرّد تفصيل لديه.

 

ليس جورج قرداحي، الذي صار وزيراً في غفلة من الزمن، سوى تعبير عن مرحلة انهار فيها لبنان وبلغ الحضيض. لم يعد يوجد من يسأل كيف يمكن لشخص لا يعرف شيئاً عن موضوع عربي وإقليمي في غاية التعقيد أن يسمح لنفسه بالكلام عن اليمن وإعطاء إجابات حاسمة في شأن الحوثيين الذين ليسوا في نهاية المطاف سوى أداة من أدوات إيران في المنطقة.

 

منطقي، عندما يسقط لبنان، أن يكون في وزارة الإعلام شخص مثل جورج قرداحي لا يدرك النتائج التي ستترتب على كلامه، أكان ذلك قبل أن يصبح وزيراً، أو بعد ذلك.

 

يصلح التساؤل هل كانت تجربة الأسئلة والأجوبة التي مرّ فيها جورج قرداحي، والتي تطرّق فيها إلى الموضوع اليمني، امتحاناً مهْد لتوزيره؟ يبدو مثل هذا التساؤل أكثر من مشروع في حال نظرنا إلى السنوات العشر التي تفصل بين توقيع وثيقة مار مخايل بين حسن نصرالله وميشال عون… ووصول الأخير إلى موقع رئيس الجمهوريّة في مثل هذه الأيّام من العام 2016. في السنوات العشر تلك، وفي السنوات التي تلتها، لم يفوت “حزب الله” امتحاناً لم يمرّر ميشال عون به. من تغطية حرب صيف العام 2006  التي كانت كارثة على لبنان… إلى رفض التحقيق الدولي في تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب –أغسطس 2020. بين ما غطاه ميشال عون، تدخل بالطبع أحداث مثل اغتيال الضابط الطيار في الجيش اللبناني سامر حنا بسبب تحليقه في هليكوبتر في منطقة تابعة لـ”حزب الله”.

 

لا حاجة إلى إعطاء مزيد من الأمثلة عن تصرّفات رئيس الجمهورية الحالي قبل وصوله إلى قصر بعبدا، وبعد ذلك، وكيفية تبريره المسبق لاغتيال وسام الحسن ولرفضه أخذ العلم بمعنى تورط “حزب الله”، من منطلق مذهبي، في الحرب على الشعب السوري. هذا غيض من فيض ارتكابات لا تحصى لشخص كان حليف صدّام حسين في الأعوام 1988 و1989 و1990 عندما كان في قصر بعبدا للمرّة الأولى كرئيس لحكومة موقتة. لم يكن من مهمّة لتلك الحكومة سوى تهيئة الأجواء لانتخاب رئيس للجمهوريّة خلفاً للرئيس أمين الجميّل الذي انتهت ولايته في 23  أيلول –سبتمبر 1988.

 

في أثناء وجوده في قصر بعبدا، قام ميشال عون بكلّ ما هو مطلوب منه، بما في ذلك شنّ حرب على “القوّات اللبنانيّة”، باستثناء تأمين انتخاب رئيس للجمهوريّة. ذهب إلى حدّ إقامة حلف مع صدّام حسين واستقدام دبابات من العراق، غير مدرك أن المنطقة التي كانت تحت سيطرته ساقطة عسكرياً. كان كافياً رفع الغطاء الأميركي والإسرائيلي عنه كي يضطر إلى مغادرة قصر بعبدا هرباً واللجوء إلى السفارة الفرنسيّة في الثالث عشر من تشرين الأوّل –أكتوبر 1990!

 

طبيعي أن يتوّج شخص بهذه الضحالة السياسية عهده بالإتيان بجورج قرداحي وزيراً للاعلام. طبيعي أكثر أن يبذل وزير الإعلام كلّ ما يستطيع من أجل زيادة العزلة العربيّة للبنان. ما لم يكن طبيعياً قبول شخص مثل نجيب ميقاتي أن يكون جورج قرداحي وزيراً في حكومته. يُفترض في نجيب ميقاتي أن يكون من الذين يعرفون أكثر، ولو قليلاً، بالناس وذلك على الرغم من الظروف الدقيقة التي تمرّ فيها علاقته بالنظام السوري الذي يعرف أركانه أكثر من غيره بكثير.

 

ما يشفع بجورج قرداحي أنّه نتيجة وليس سبباً. إنّه ارتكاب من ارتكابات العهد. وصل إلى وزارة الإعلام في ظروف لا تخفى على أحد. السياسة بالنسبة إليه تمجيد بديكتاتور هجر عشرة ملايين وأكثر من أفراد شعبه وقتل نصف مليون من هذا الشعب ويحتفل بانتصاراته فيما بلده تحت خمسة احتلالات!

 

لا يليق مثل هذا الوزير سوى بـ“عهد حزب الله“. ليس ما هناك من يليق به أكثر…