بعد عودته الى بيروت من رحلته الخارجية، يواجه الرئيس نجيب ميقاتي تحدّي تبريد الملفات الحارقة التي تحاصر حكومته المترنحة، أولاً لحمايتها من خطر الإشتعال، وثانياً لإعادة جمعها حول طاولة مدوّرة الزوايا.
على قاعدة السعي الى تفكيك صواعق التفجير السياسي، رسم ميقاتي العائد من لقاءاته الدولية في غلاسكو الاسكتلندية، مسار الخروج من الأزمة المتفاقمة مع السعودية، طالباً من جميع الوزراء التزام التضامن الوزاري والتقيّد بمضمون البيان الوزاري الذي حدّد القواعد الأساسية لعمل الحكومة وسياستها، “وكل ما يُقال خارج هذه الثوابت لا يُلزم الحكومة بشيء”. وأكّد العزم على “معالجة ملف العلاقة مع المملكة ودول الخليج الشقيقة وفق القواعد السليمة، ولن نترك هذا الملف ابداً عرضة للتساجل وللكباش السياسي”، مكرّراً دعوة وزير الإعلام جورج قرداحي الى تحكيم ضميره “وتقدير الظروف واتخاذ الموقف الذي ينبغي اتخاذه، وتغليب المصلحة الوطنية على الشعارات الشعبوية”.
ولكن، ليس معروفاً بعد كيف سيتمّ في الداخل “ترجمة” مقاربة ميقاتي للمخرج المفترض من المأزق، وليس واضحاً ما إذا كانت المملكة جاهزة لتلقّف تلك المقاربة، بعدما رفعت سقف المواجهة الى مستوى طلب تنازلات سياسية تتصل بتقليم أظافر “حزب الله”، المحلية والإقليمية.
ولعلّ غموض مرحلة ما بعد الإستقالة المقترحة على قرداحي هو الذي يدفع الرجل ومن يدعمه الى رفض التراجع أمام ضغوط ميقاتي والسعودية، والإمتناع عن تقديم هدية لا يبدو أنّ هناك تجاوباً معها أو مع أي مبادرة في الوقت الضائع داخلياً (قبل استحقاق الانتخابات النيابية)، واقليمياً (قبل اتضاح نتائج التفاوض الصعب والبطيء مع طهران).
المتواصلون مع قرداحي يلفتون الى انّه يوافق ميقاتي على معظم ما أورده خلال كلمته أمس حول المرتكزات التي يجب أن تُبنى عليها العلاقة بين لبنان من جهة، والمملكة ودول الخليج الأخرى من جهة ثانية، “وقد سبق له أن أكّد غداة اندلاع الأزمة، أنّه ملتزم بالبيان الوزاري وسياسات الحكومة، وإنّ ما أدلى به هو رأي شخصي لا يلزم هذه الحكومة”.
اما الإستقالة فهي لم تعد مجرّد شأن فردي، بعدما أتخذت الأزمة طابعاً سياسياً واسعاً يتجاوز حدّ الإعتراض على موقف موضعي لقرداحي، “ولو كان الأمر على هذا النحو حقاً لبادرت الى الإستقالة فوراً، لأنّ الإعتبارات الخاصة تسقط أمام ضرورات المصلحة العامة حتى لو كنت مظلوماً”، كما يُنسَب إلى وزير الإعلام.
وينقل المتواصلون مع قرداحي تأكيده بأنّه “لن يكون لقمة سائغة، وبأنّ الأزمة لا تُختصَر به، وحلّها لا يُختزَل بإجتماع بينه وبين ميقاتي فقط، بل المسألة يجب أن يحسمها مجلس الوزراء مجتمعاً، لأنّ هذه القضية تخص جميع مكونات الحكومة، وأنا مستعد للقبول بما يقرّره مجلس الوزراء”.
ويعتبر قرداحي أنّ من الضروري أن ينعقد مجلس الوزراء، لأنّه المكان الطبيعي لمناقشة الوضع المستجد، مشيراً الى أنّ الصحيح هو أن “يعلن المجلس عن تضامنه معي، مع تأكيد الحرص على أفضل العلاقات مع السعودية ودول الخليج، وهذا خياري وإقتناعي في الأساس. أما إذا كان يُراد أن تتمّ إقالتي، وحصل هذا الطرح على الأكثرية المطلوبة في مجلس الوزراء، فالأكيد انني سأحترم القرار”.
وينسب المتصلون بقرداحي اليه قوله، أنّ “رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لا يستطيعان لوحدهما أن يقرّرا إقالتي، إذ يحتاج هذا الأمر إلى نيل أكثرية ثلثي الأصوات في مجلس الوزراء تبعاً للدستور، وأنا سأنتظر ما ستفضي اليه المشاورات بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه”.
ويوضح قرداحي، تبعاً للمتواصلين معه، أنّ هناك ضغوطاً مكثفة عليه ومحاولة لمحاصرته من أجل دفعه الى الإستقالة الطوعية، “علماً أنني جاهز أن أستقيل في مقابل مردود وطني وليس شخصياً. فأنا دفعت ثمن التمسّك بقناعاتي وانتهى الأمر، ولكن ما يهمّني أن تعود إستقالتي بمكسب لوطني وشعبي حتى لا تكون عبثية”.
وضمن هذا السياق، يبدي قرداحي استعداده التام لأن يقدّم استقالته فوراً اذا كانت ستُقابَل بالتراجع عن الإجراءات الأخيرة وباستقبال ميقاتي في الرياض لإعادة بناء العلاقات على أسس ثابتة، “أما معادلة استقل وبعد ذلك نبحث في ما يمكن فعله فهي غير عادلة”.
ويشير قرداحي الى انّه “كانت هناك في البداية مطالبة لي بالإعتذار والإستقالة معاً، فلما امتنعت عن الإستقالة المجانية صاروا يروّجون بأنني لو اعتذرت لانتهت المسألة، بينما الأزمة هي في جوهرها أبعد من ذلك بكثير، وتكمن في ما يعتبرونها سيطرة حزب الله على الدولة”.
ويشير الى انّ اكثر ما يزعجه ويؤلمه في الأزمة الحالية هو الضغط الذي يتعرّض له الاقتصاد اللبناني، “وانا اعرف جيداً كم هي مهمّة وحيوية مصالح اللبنانيين في الخليج، ولذلك يجب تحييدها عن أي نزاع”.