يشعر الرئيس ميقاتي بلا شك بحال نشوة سياسية بعدما انتشله اتصال محمد بن سلمان من حفرة حشره فيها “حزب الله”. ولولا أنه محظوظ، لمَا هبطت عليه “جائزة القرداحي” لتفتح ثغرة مع الخليج كان يتوسّل عُشرَها ليقول للبنانيين: “أعضاء النادي ليسوا كأسنان المشط، سيتعاملون معي أيضاً كرئيس حكومة سنّي 24 قيراطاً، ولن تلاحقني لعنة سعد الحريري”.
يستحق الرئيس ميقاتي الأدعية مرفقة بالتبريكات. بيد أنه سيبقى حتى اشعار آخر “مشوشحاً” على حبل الانقاذ بانتظار إقرانه القول بالفعل وتنفيذ تعهده عقب الاتصال الثلاثي بأن لا يكون لبنان مقراً أو ممراً للاساءة الى الأشقاء، اي ان يتوقف عن دور قاعدة التدريب ومنبع التهريب. فسياسة “المسامح كريم” التي انتهجتها الرياض دائماً مع لبنان باتت جزءاً من “الماضي الجميل”. حلَّت محلها الواقعية منذ أعوام، وجاء زمن “الخطوة مقابل خطوة” المنسحب أيضاً على مستقبل علاقاتها مع النظام السوري.
يعلم الرئيس ميقاتي بأن الاتصال تمَّ إكراماً للضيف الفرنسي، وليس ثمناً لاستقالة القرداحي، ولا لقناعة بنهج حكومته المعلقة بين التعطيل الفاعل والتفعيل القاصر. والسعودية إذ تمتنع عن التصعيد وتفتح الباب بحذَر لضخ بعض الأوكسيجين في عروق الاقتصاد اللبناني، فإنها تتشدد في موقفها المبدئي لجهة مقاربة مجمل الوضع اللبناني، وهو عودة الى ثوابت تنقذ لبنان من براثن مشاريع الهيمنة والتفتيت. بيانها المشترك مع الرئيس ماكرون تأسيسيٌ لا يُذكِّر بأقل من بيان مجلس الأمن عام 1989عقب اتفاق الطائف وانتخاب الرئيس رينيه معوض لاستعادة الدولة من الميليشيات وإعادة لبنان الى حضنه العربي.
يمكن للرئيس ميقاتي المباهاة بأنه سقى “حزب الله” مما يسقيه الحزب لأخصامه. صبر استراتيجي ميقاتي جميل مقابل صبر النكهة العجمية الممض. لكن نجاحه في كسر ارادة الحزب في موضوع القرداحي قد لا يوازيه ما ينتظره في ملف “قبع البيطار”، ليس لأن مجلس الوزراء لا يزال قيد التعطيل وعلى الشجرة التي اعتلاها “الثنائي” فحسب، بل أيضاً لأن أي حل قضائي أو نيابي لموضوع التحقيق العدلي في اتجاه تطيير البيطار أو تجزئة الملف، سيدخل في باب “تدوير زوايا” من النوع المشين أو صفقة معيبة تفتقد الى البعد الأخلاقي وتتعارض مع جوهر البيان الفرنسي – السعودي.
شاطِر الرئيس ميقاتي في اقتناص الفرص السياسية، لكن رميه الكرة في ملعب “حزب الله” على اساس أنه أدى قسطه للعلى إزاء اللبنانيين في موضوع الخليج وبات انعقاد مجلس الوزراء حاجة لا تدانيها أي اولوية، لا يعني أن الحزب مضطر لمسايرته والقبول بميزان قوى غير “طابش” لمصلحته بعدما اكتسب عادة “كن فيكون”. فبين حَني الحزب رأسه للريح وبين القبول الفعلي بتراجع استراتيجي يتمثل بالانسحاب من سوريا أو فك الارتباط مع الحوثيين، بونٌ شاسع يحتاج معه الرئيس ميقاتي دورات مكثفة في القنص والتدوير.