IMLebanon

المثال الكوري..

 

ليس واضحاً ما إذا كان للمثال الكوري الشمالي سوابق في الزمن النووي: دولة تملك (تصنّع وتنتج وتملك) سلاح دمار شامل فتقبل أن تتنازل عن ذلك كله. وتفكّكه وتتخلى عنه تماماً.

 

المعروف والمعلن، أن التنازل في هذا الملف تمّ ويتمّ قبل الوصول إلى نقطة الإنتاج.. هذا ما جرى مع ليبيا ومع إيران مثلاً، لكن أن يحصل الأمر بعد التمكّن، فذلك إعجاز يشبه تماماً ما قاله كيم جونغ أون لحظة توقيعه على الاتفاق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب من «أن ما نفعله هو نوع من الخيال العلمي»!

 

أي أن الأمر قريب من الاستحالة. وهذه واقعة الخيال الأولى والأساسية. ورفيقة درب العقل البشري منذ الأزل، وجوابه الروحي والعلمي على التحدّي، ودافعه الأول إلى التسليم (والإيمان) بالإعجاز الديني المنزّل..

 

اتفاق سنغافورة تاريخي بهذا المعنى حيث لا سوابق له. مثلما أنه يؤسّس لما بعده ويُعيد الاعتبار لِـ«وظيفة» السلاح النووي الأساسية: إمتلاكه لا يعني استخدامه! بل «المعجزة» في هذه المعادلة أنّ امتلاكه مثل عدمه! واستخدامه صالح لـ«مرّة واحدة وأخيرة»! وإغراءاته بالنسبة إلى الدول الصغيرة أو المتوسطة الحجم والقدرة والنفوذ، مثل كوريا الشمالية، أو إيران أو باكستان، هي من النوع الشيطاني، حيث الغواية مهلكة! ووساوس العظَمَة تلاقيها احتمالات الإفناء التام والشامل.. والحرفي!

 

قال ترامب بالأمس ما معناه «إن السلام يحقّقه الشجعان فقط».. أو بالأحرى الأقوياء فقط. لكن هذه المقولة في الموضوع الكوري الشمالي تقفز قليلاً إلى الأمام: ما يقصده الرئيس الأميركي هو أنه لولا «ملاقاته» تهديدات كيم جونغ أون بمثلها وأكثر، لما أمكن الزعيم الكوري «الانتباه» تماماً إلى جدّية اللعبة ومخاطرها. التلويح والتصريح بـ«الزر النووي» الأكبر أسقط ورقة الابتزاز من يد «الطفل المعجزة»! وإشهار ساكن البيت الأبيض استعداده التام للردّ الإفنائي على أي تعرّض نووي لبلاده أو لحلفائها في جنوب شرق آسيا، رسم المعادلة الجديدة: القنبلة في بيونغ يانغ صارت شرارة تدمير ذاتي شامل أكثر من كونها ضمانة دفاعية! أو ورقة مساومة على قضايا «حياتية» مثل رفع العقوبات وأمن النظام الاشتراكي! أو غير ذلك من أمور تهمُّ البلد المُحاصَرَ والمُتهالك تنموياً وغذائياً.

 

وبهذا المعنى نعم: أمكن ترامب أن يصل إلى الخاتمة، من البداية، لأنه من «النوع» الذي لا يتحمل أنصاف الحلول! أو الابتزاز! أو البلطجة.. ومستعد للذهاب إلى الآخر إذا اقتضت الضرورة! غيره قد يتهيّب! أما هو فمن صنف «الشجعان» الذين يصنعون السلام، تماماً لأنهم مستعدون للحربّ ولأنهم (بالمعنى المالي والتجاري) يكرهون الاستنزاف المكلف! ولا يطيقون الدفع من دون القبض! ولأن تركيبته (ترامب) الذهنية مقولبة باتجاه الذات (الشخصية والقومية) وباتجاه ريادتها وأولويّاتها، أتعلّق الأمر (مصالح ومصائر) بحلفاء مثل الأوروبيين (والكنديين!) أو بأعداء مثل الكوريين الشماليين.. والإيرانيين!

 

.. والرسالة إلى إيران بليغة: حتى لو امتلكت سلاح الدمار الشامل (والمسعى الراهن في اتفاق سنغافورة يقلّص هذا الهمّ) فإن ذلك لن يكون سوى مغامرة وجودية لا داعي لها! وطالما أنّ «القضية» معها تحت ذلك السقف وليس فوقه، وتتعلق بالسياسات الخارجية التدميرية وشبه الشاملة، فإن البدائل جاهزة: المثال الكوري الشمالي مفتوح على السلام والرخاء بعد أن كان مفتوحاً على الحرب والفناء.. والكرة طارت من سنغافورة وحطّت في طهران!