يليق به وصفه بـ«الطفل المعجزة» كيم جونغ أون.. وهو الذي حقّق ما عجِزَ والده كيم جونغ إيل، وجَدِّه المؤسّس كيم إيل سونغ، عن تحقيقه مع النصف الآخر من شبه الجزيرة المنقسمة، ومع الجوار الحليف مثل الصين، والخصم مثل اليابان، ومع الولايات المتحدة البعيدة – القريبة والحاضرة المستنفرة عند الباب تماماً!
فعَلَها الزعيم الشاب، وكسر على دفعات سريعة متتالية وحاسمة؛ جملة الأسس التي أنتجتها الحرب الكورية مطلع خمسينات القرن الماضي.. وعلى وتيرته (المحسوبة) وضع التاريخ على الرّف، وفتح أبواب القلعة الستالينية المُغلقة، وشرَعَ في هدم جدرانها التي شاع الظنّ أنها أعصى من جدار برلين، وأقسى من أن تفتّتها أزاميل البراغماتية والحداثة والحياة..
صعد إلى الذروة الاستفزازية والمتحدّية بالتجارب النووية والصاروخية، وحبس العالم بأسره أنفاسه مع صعوده ذاك، لكنّه بنزوله السريع عن تلك الذروة بدا وكأنّه راهن وكسِب الرهان. وأظهر ذكاءً خارقاً في الحساب وقوانين الفيزياء الأولى، على عكس ما يوحي به شكله ولباسه وتسريحة شعره وتصريحاته وطقوسه المُمسرحة: ذهب إلى الحافّة وأوحى بأنه مستعد تماماً للقفز إلى الهاوية وأخذ «بضعة ملايين» من شعوب جنوب شرق آسيا معه! لكنّه في واقع الأمر، ومثلما تبيّن ويتبيّن، كان مستعجلاً على «تسوية شاملة» وليس حرباً شاملة! وعلى اختصار الزمن والقفز فوق «المراحل» المألوفة في التفاوض. وبدلاً من التركيز التام على الموضوع النووي وحده، والعودة تكراراً إلى المحادثات الثنائية مع الأميركيين، والحلول الجزئية، ذهب إلى الأساس الذي هو الانقسام الكوري سياسياً وجغرافياً وفكرياً وعاطفياً ونظامياً، ووضع كل أوراقه على الطاولة دفعة واحدة: الحدود القلِقَة والمتوتّرة تصير ساحة لقاء (بانتظار الإلغاء!) واتفاق وقف النار المرحلي يصير «اتفاق سلام» و«نهاية حرب». والملف النووي المُرعب يُطوى ويُعطَّل إلى الأبد.. وكأنّه غورباتشوف آخر: يبدأ من «الخارج» وهدفه الأخير هو «الداخل»! يذهب إلى الأخصام والأعداء ويضع معهم تسوية تقضي (في النتيجة) على الحزب والتركيبة الحاكمة منذ سبعة عقود في بيونغ يانغ! ومثال «جدار برلين» جذّاب بما فيه الكفاية لاستعارته والأخذ به من أجل الخروج إلى الضوء والحرية والحداثة، وحيث بالإمكان قياس الكرامة الوطنية بالقدرة على منع المجاعات الموسمية، وتوفير الخبز والحليب للأطفال بدلاً من الإصرار على «إشباعهم» لغو الأمجاد النظرية والاستعراضات الحزبية وأخبار الصواريخ والتجارب النووية الإفنائية..
كان نشازاً أن يستمر «الزعيم الشاب» في سياق بعيد عن العصر والجغرافيا. وأن يستمرئ دوام تجاهل حقائق المقارنة وأرقامها في الاقتصاد والتجارة والمال والناتج القومي ومستوى العيش والكفاية وحرية التنقل والتملّك، بين بلاده «الاشتراكية» «المنتصرة» في حرب الخمسينات، وشقيقتها الجنوبية «المنهزمة» في تلك الحربّ! عدا عن استحالة تلك المقارنة في الأصل، مع الجار الياباني «المنهزم» بدوره في الحرب العالمية الثانية! فيما «الاتحاد السوفياتي العظيم» كان من أبرز «المنتصرين»!
فَعَلَها الزعيم الكوري الشمالي، واختار الحياة وبديهيّاتها وشروطها و«مبادئها» العريضة. ووضع حجراً ثقيلاً على ضريح جدّه المؤسّس وحزبه ونظامه.. وفي مكانٍ موازٍ، وضع حجر الأساس لتاريخ يذهب إلى المستقبل ولا يبقى في الماضي.
.. لكن السؤال الذي «يخصّنا»: هل تتكرّر «المعجزة» الكورية وتصل الرسالة إلى إيران؟!
علي نون