في لحظة تحدّثت فيها وزارة الخارجية الروسية أمس الخميس على لسان المتحدثة باسمها ماريا زاخاروفا، أنّ لديها انطباعاً بأنّ الولايات المتحدة الأميركيّة تبحث عن ذريعة للصّراع في منطقة الخليج العربي، وبأنّ هناك مخاطر من اندلاع اشتباك عسكري واسع النطاق، عاد «جاريد كوشنر» بمؤامرته المسمّاة «مقترح السلام في الشرق الأوسط» إلى المنطقة، وقد تلقّى بالأمس جواباً بليغاً من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنّ سيناء لن تكون أبداً جزء من «صفقة القرن»، يأتي كوشنر مدّعياً أنّه يتحدّث بالنيابة عن جميع «أصدقائه» العرب وعن تنازلات سيقدّمها الجانبين، أيّ جانبيْن؟ العرب والفلسطينيين ربما باعتبار أن إسرائيل يكفيها تنازلاً أن تقبل بادّعاء تفاوضها مع العرب!
من المفارقات المأساوية لواقع العرب اليوم وحكّامهم أن يُقرّر الصّهر الأميركي «جاريد كوشنر» (مستشار البيت الأبيض) مصير فلسطين، نعيش زمناً «ولّادياً»، «ولَيْدات» يقررون مصير شعوب المنطقة وفلسطين أكثر قضايا العرب دراماتيكيّة، يعبث بمصيرها بها «صهر أميركا» فـ»القرون» العربيّة بلغ طولها المسافة الممتدة من فلسطين إلى الصين، مجدداً يعود كوشنر ليروّج لأكبر خيانة في التاريخ العربي المعاصر وأكبر عمليّة غدر لتصفية الشعب الفلسطيني وقضيّته، وبتآمر عربي «صامت» يتفوّق فيه «تآمر» الأحفاد على تآمر الأجداد على الأمتين العربيّة والإسلاميّة وعلى فلسطين وشعبها عندما أسلموها لليهود مقابل ركوبهم عروش الحكم بأيّ ثمن كان!
ومن المفارقات أن جاريد كوشنر صهر أميركا يعود إلى المنطقة في وقت تهدّد فيه إيران مصالح واشنطن في المنطقة كلّها، وشواهد التجربة الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي تؤكّد أنّ التهديدات الأميركيّة جديّة جداً وأنّ الأذرع الإيرانية في المنطقة طويلة جداً جداً، وقادرة على إذاقة الأميركي الأمرّيْن في اللحظة التي ستذهب فيها الأمور باتجاه التصعيد الشّامل، وبإزاء هذه التهديدات من المؤسف أنّ العرب لم يمتلكوا يوماً خطّة، لا للسلام ولا للحرب، كلّه «إرتجال» سواء كان في السياسة والاقتصاد والخلاف والاتفاق، لا خطّة، ربّما تحتاج المنطقة العربيّة إلى زلزلة توقظها من سباتها المرضي، ومن المؤسف أيضاً أنّ ما هو آتٍ على الشعوب العربيّة سيأتي وهي لم تعد تلك الشعوب البلهاء التي كانت تصدّق كلّ مقولات النضال والمقاومة واستعادة الأرض، تغيّرت الشعوب العربيّة، للأسف لم تصبح ناضجة، بل تحوّلت إلى شعوب مستسلمة لا مبالية تتفرّج على نفسها وهي تُساق إلى الهاوية وتلوذ بالصمت!
وعلى إيقاع المشهد العام للمنطقة، يبقى الواقع اللبناني مضحك لأنّه يشغل نفسه باختراع مشاكله الداخليّة في وقته الضائع في انتظار إيقاع الضربات المقدّر أن تصيبه بسبب الصراعات الإقليميّة على المنطقة العربيّة التي لا حلّ ولا أفق حل لها، في هذا الوقت تبقى الثرثرة الأميركية «شغّالة» عن «صفقة» ولدت ميتة، وهذه الثرثرة غير قابلة للصّرف لا في المنطقة ولا في أيّ دولة من المفترض أنّ اسمها مشمول بالصفقة، لأنّ أميركا تبيع المنطقة العربيّة الكلام فقط وتسلب دول الخليج مئات المليارات بحجّة شراكة الدفاع الاستراتيجي، «دخلكم وين هالدفاع الاستراتيجي» لماذا لم نرَ منه شيئاً؟! ومن المؤسف أخيراً أنّه حتى الآن لبنان والمنطقة متروكة لقدر إيراني أعمى يتحكم بها اضطراباً وسيطرة أو على الأقل هزّ الأمن والاستقرار فيها عاجلاً أو آجلاً!
ميرڤت السيوفي